Marwan Kanafan
https://www.facebook.com/marwan.kanafani1/posts/10211693674950131 1/3
رسالة جدیدة إلى صدیق قدیم
خلال حوالي أربعة عشر عاماً عشتھا في فلسطین، واغلبھا في مدینة غزة الجمیلة، أتیحت لي الفرصة للتشرف
والتعرف على العدید العدید من أھلھا وشخصیاتھا وناشطیھا وقیاداتھا من مختلف المشارب والفرق والأحزاب
والحركات والفصائل والقبائل والعوائل، من سكانھا الأصلیین ومن لاجئیھا وعائدیھا وزائریھا وقاطنیھا والمارین
صدفة أو فترة على أراضیھا. ولقد ترك معظم ھؤلاء لمحات وقناعات، سلبيّ بعضھا وعارمة الإحترام والتقدیر
غالبیتھا، أناس لا زالوا على قید الحیاة وآخرین غادرونا إلى عالم الموت.
احتضنت مدینة غزة، الصغیرة المساحة والقابعة على تخوم الصحارى والرمال، خلال تاریخھا الطویل والدامي
باقة متنوعة المعرفة والتجربة والدور الإجتماعي والسیاسي والخدمة العامة والفنون والآداب قلّ أن یتوفر مثلھا
لمدن كثیرة. ولقد أثرت معرفتي لبعض رجالاتھا، على اختلاف آرائھم وقناعاتھم السیاسیة وانتماءاتھم الحزبیة
والعقائدیة، وحیث أنھ لا مجال ولا فائدة ترجى من الإشارة لأسماء واشخاص في ھذا المجال فإنني سوف أقتصر
على مثال صغیر لمجموعة وافرة ممن أثار إھتماتي وإعجابي من أصحاب الجمع بین العبادة والسیاسة، ھذا
الفصیل الذي شكّل، بمظاھر وممارسات مختلفة، الإنقسام العقائدي الأول خلال العقد الثالث لظھور الإسلام وبدء
انتشاره التاریخي. ذلك الفصیل الذي یمثّلھ الیوم مظھریّاً على الأقل تنظیم حركة حماس الذي لم أنتمي إلیھ، ولا
اقتنعت بأفكاره ولا وسائلھ ولا ممارساتھ أو أھدافھ أو إلتزامھ بأولویة وحدة الصف الوطني وقداسة الدم
الفلسطیني.
تشرفت بالتواصل مع مسؤولي حركة حماس الذین أكنّ لكثیر منھم وخاصة الشیخ الجلیل الشھید أحمد یاسین
ورفاقھ الشھداء بالإحترام والتقدیر. ولقد أتیحت لي فرصة اللقاء ومن ثم العمل لسنوات طویلة مع المھندس الشھید
إسماعیل ابو شنب في نطاق عضویة كلانا في "اللجنة العلیا للقوى الوطنیة والإسلامیة في غزة" وكذلك عضویة
لجنة الصیاغة المنبثقة عنھا، في الفترة منذ بدایة الإنتفاضة الفلسطینیة وحتى منتصف العقد الأول من القرن
الحالي. كان السید ابو شنب مثالاً للقائد الواسع الفكر، الراغب في معرفة الآخر وتفھّم رأیھ ووجھة نظره، العاف
عن الولوغ في الدم الفلسطیني، الشجاع للإعتراف بالخطأ والرغبة في الإصلاح. كان یجسّد، بالرغم من كونھ
أحد قادة حركة حماس، نموذج السیاسي والقائد الفلسطیني المسؤول والواقعي والشجاع، كنت أعتقد منذ استشھاده
رحمھ لله أن تلك الصفات الواعدة كانت ھي السبب في قرار اغتیالھ.
كانت بعض لقاءات رسمیة واجتماعات سیاسیة وبعض مقالات وأحادیث لشاب آخر مسؤول في حركة حماس
تجذب انتباھي بسبب خلوّھا من أسلوب التھجّم والإتھام والرفض الذي اتسمت بھا، ولا زالت، ترنیمات متحدثي
حركة حماس الكثر تجاه كافة الأفكار والآراء الأخرى التي لا تتوافق أو توافق على وجھة النظر الرسمیة
للحركة، والتي كانت تبدأ وتنتھي بمفردات التخوین والتكفیر والإنطباح والتنازل والتفرّد بالرأي الذي لا یأتیھ
الباطل من أمامھ أو خلفھ، وكان ذلك الشخص ھو السید غازي حمد.
عندما صدر كتابي الأخیر "عن الفلسطینیین فقط.. جدلیة النجاح والفشل" واستلمت بضع نسخ منھ قمت بإرسال
النسخ الثلاث الأولى إلى ثلاثة أشخاص فقط، السید الرئیس محمود عباس، والسید إسماعیل ھنیة، والسید غازي
حمد، ولم أعرف إلى أین أرسل نسخة السید خالد مشعل.. من المحزن أن أقول بأنني لم استلم حتى الآن رداً أو
ھاتفاً، ینقل شكراً أو تعلیقاً أو شتیمة من أيّ منھم.
قرات بالأمس على إحدى مواقع حركة فتح التي تتمتع "بحكم استقلالي ذاتي" منفتح على الجمیع، مقالاً بقلم السید
June 15, 2017 ·
5/15/2018 Marwan Kanafani - ...رسالة جدیدة إلى صدیق قدیم خلال حوالي أربعة عشر
https://www.facebook.com/marwan.kanafani1/posts/10211693674950131 2/3
غازي حمد، الأول على صفحات تلك الموقع كما أعتقد إن لم أكن مخطئاً، أعادني المقال سنوات طویلة لمقولة
كان یرددھا الدكتور المرحوم كلوفیس مقصود، الھرم العروبي المثقّف والمعلّم، في التلفزیونات والصحف
الأمریكیة متھكّماً عند إتھامھا للعرب بأنھ لا حریة صحافة لدیھم، بأن الدول العربیة لدیھا حریة صحافة مطلقة
بحیث أن أي كاتب عربي یمكنھ مھاجمة وانتقاد أمریكا وإسرائیل دون خوف أو وجل، وكلّنا نعرف أن ھناك
صحفیین عرب قد وصلوا لأعالي الشھرة والثراء.. نتیجة للإنتقادات والإتھامات التي دأبوا على وجھ التخصص
بتوجیھھا لأمریكا وإسرائیل دون الكتابة مرة واحدة عن الاخطاء والخطایا السیاسیة والإقتصادیة والإنسانیة التي
ارتكبتھا ولا تزال دول وأحزاب عربیة. إن الذي اكتشف الیوم أن الولایات المتحدة وبریطانیا ومعظم الدول
الغربیة وقسم كبیر من دول العالم منحازة لإسرائیل ومیّالة لدعمھا والدفاع عنھا، أو أن ھناك ضرورة لإثبات ھذا
التحیّز، علیھ أن یعیش تجربة القرن الماضي كاملاً.
ابدع الأخ غازي في إدراج النوایا والسیاسات الغربیة والشرقیة،والإسلامیة والعربیة، والإیرانیة والتركیة، وتأثیر
بعضھا المدمّر على قضیتنا وعلى شعبنا. وقد بدا ذلك بالنسبة لي مجرّد إعادة توصیف لمقالة الدكتور كلوفیس
التي سبق ذكرھا ولیس للوضع الحالي الذي نحتاج فیھ للكلام عن الطامة الكبرى التي نحن، كفلسطینیین، نعاني
منھا والتي لم یرتكبھا الإسرائیلیون ولا الأمریكان ولا الروس ولا إیران ولا تركیا ولا الدول العربیة أو
الإسلامیة ولكننا نحن، وبالأحرى الفصائل والأحزاب السیاسیة الفلسطینیة، ھي التي ارتكبتھا ولا زالت تعاود
الإرتكاب بتغییر التحالفات وتنویعھا. ولا زالت فصائلنا وأحزابنا على اختلافھا تخوض ذلك الطریق باستعداد
واعتزاز بالتحالف مع الغریب ضد الأخ وابن العم والإصرار على التمسك بتلك السیاسات المدمّرة لبلدنا وشعبنا
ومستقبل أجیالنا.
ھل إسرائیل وأمریكا ھي التي تسببت في الإنقسامات الفلسطینیة منذ اندحار الإحتلال العثماني عن بلادنا قبیل
قرن من الزمن؟
ھل دول خارجیة وعربیة ھي التي رسمت أرض المعركة بین حركة فتح وبین الجبھة الشعبیة وغیرھا من
جبھات تابعة لأحزاب عربیة في سوریا والعراق ولیبیا وغیرھا؟
ھل إسرائیل وأمریكا ومن سبق ذكره من دول ھي التي أشعلت العداء والكره والحرب والإغتیال والقتل بین
حركة فتح وحركة حماس منذ أن أنشأت تلك الحركة؟
؟ ھل تلك الدول المعنیة ھي التي أمرت بإنقسام الشعب والأرض الفلسطینیة في صیف عام 2007
ھل تلك الدول ھي التي منعت الفلسطینیین من التوصل لاتفاق حول معبر رفح قبل تطوّر الأمور بین حماس
والمصریین؟
ھل سیاسات تلك الدول والتحلیلات والإستنتاجات ھي التي تسببت في حرمان موظفین من مرتباتھم نتیجة لعدم
تنسیق فتح وحماس حول ھذا الموضوع؟
ھل التحزبات والإنقسامات والإتھامات والتخلخلات التي تتعرض لھا حركة فتح والتي یشھدھا العالم والشعب
الفلسطیني ھي أیضاً نتیجة للمؤامرات والسیاسات الأمریكیة والإسرائیلیة؟
ھل ھي سیاسات وقرارات أعداء شعبنا ھي التي منعت التوصل لمصالحة فلسطینیة؟ ھل من المعقول أن أمریكا
وإیران قد توصلتا لاتفاق تفاھم ومصالحة في قرابة ثلاث أعوام بینما فشلت حركة حماس وحركة فتح في
التوصل "لمصالحة" في أكثر من عشر سنوات وبعد عشرات القبلات والأحضان والمآدب والسیاحة والتصویر.
لماذا لا نرفع عذاب شعبنا في الحصار المفروض على تحرك سكان القطاع بقبول استلام الأمم المتحدة لمعبر
رفح؟ أو تواجد ممثلي الإتحاد الأوروبي؟ أو الإستعانة بالحرس الرئاسي الفلسطیني؟ لماذا لا یصلح ھذا الأمر إلاّ
ّ
5/15/2018 Marwan Kanafani - ...رسالة جدیدة إلى صدیق قدیم خلال حوالي أربعة عشر
https://www.facebook.com/marwan.kanafani1/posts/10211693674950131 3/3
بتواجد الشرطة التابعة لحماس؟ ألیس من حق شعبنا الممزّق المعذّب أن تقدم حركة حماس لھ ھذه التضحیة؟
وكیف نفسّر إلتزام حركة حماس الصارم لاتفاقھا مع إسرائیل فیما یسمّى "إتفاق التھدئة" الذي لا یزال یحكم
علاقة حركة حماس مع إسرائیل بینما ترفض حماس اي إتصال مع إسرائیل للتخفیف عن صعوبة التنقل والعمل
والعیش الكریم لشعب غزة المقھور والمحاصر؟.
قلیلاً من التواضع والصراحة والجرأة على قول كلمة الحق. علینا أن نبدأ بالحدیث عن أنفسنا، وعن أخطائنا،
وعن أھدافنا المشروعة. إن العالم یرید مساعدتنا ولكنھ لا یستطیع مساعدتنا إن لم تتفق أھدافنا وعملنا وتتحد
مواقفنا. لیس ھناك بدیل من أن تتحد حركة فتح فیما بینھا، وتتحدث مع الشعب الفلسطیني، وتتفاعل مع مشاكلھ
وھمومھ، وتشاركھ في تحمّل المسؤولیات، ولا تعیش في فلك نفسھا وأعضائھا. وتتواضع في حیازة الوظائف
والمناصب. كما یتوجب على حركة حماس أولاً وقبل كل شیىء التوصل لاتفاق وتفاھم وبرنامج عمل مع أخوتھا
وحلفائھا الأساسیین في النضال والدم قبل أن تسعى لرضى وسلاح ومال قطر وإیران وتركیا. لقد أصبحت حركة
حماس لاعب أساسي وضروري لتحقیق أھداف الشعب الفلسطیني الشرعیة ورفع العذاب الذي یتعرض لھ، بلا
سبب ولا جریرة. لماذا انتظرت حركة حماس سنوات طویلة بعد إنشائھا وبعد استلامھا للأمور في غزة
للإعتراف، حرفیّاً ربما، بما كانت منظمة التحریر الفلسطینیة ورئیسھا القائد الرائد قد توصّل إلیھ منذ ربع قرن
من الزمن. ومن ھو المسؤول عن الدم الذي سال والمنازل التي تھدمت والعوائل التي تشتت والعذاب والخراب
والدموع والجوع والیأس؟