كتب ومقالات

مقالات متنوعة

المصالحة الفلسطينية

2018-06-02 02:00:10

 

 

 

المصالحة الفلسطينية

انتصار النوايا الحسنة أم الخضوع لحقائق الواقع

 

حققت مصر خلال السبوع الماضي ما فشلت في تحقيقه خلال عقد من الزمن عدة وساطات عربية، ومحاولات فلسطينية مظهرية في عواصم عربية مختلفة. ولقد لقي هذا النجاح، وخاصة شقه المتعلق بالعلاقات الفلسطينية الفلسطينية، تأييدا وإشادة من العديد من الدول العربية والعالم بالرغم من برود وتحفظ ردود الفعل من قبل الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يمكن فهم رد الفعل المتحفظ هذا على ضوء تشكك الشعب الفلسطيني من مصداقية هذا الاتفاق والاستغراب من تحقيقه من قبل ممثلي حركة حماس وحركة فتح خلال يومين فقط من الاجتماعات في مقر المخابرات المصرية في القاهرة، بعد سنوات عديدة وصعبة عاشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

في الواقع فإن هذه الخطوة التي بدت مفاجئة للبعض قد تم توقعها من قبل المختصين في العلاقات الفلسطينية منذ مدة طويلة، في الفترة الأخيرة، ويعتقد بعض المحللين أنه بسبب التغيرات الإقليمية والدولية، أبدت حركة حماس استعدادها لتحمل مسؤوليات الدخول لنادي المنظمات السياسة الممكن اعتبارها شريكاً في عملية السلام، وقامت الحركة باتخاذ قرارات جريئة ومؤلمة لتحوز مثل هذا الاعتراف. والمصريون يعرفون ذلك، ولكن أولوية تسوية وضع حماس مع مصر هي التي جعلت موضوع المصالحة الفلسطينية ثانية في الترتيب.

أمّا عن محادثات حركة حماس بقدها وقديدها وجمع قياداتها السياسية والعسكرية مع المخابرات المصرية فهو موضوع لا يتم النشر عنه ولا التحدث بتفصيلاته، ولم يتم إصدار أي بيان أو توضيح من قبل الجانب المصري عن ما تم أو لم يتم الاتفاق عليه، واقتصر بيان المتحدث الرسمي المصري على الترحيب بالتوصل لاتفاق الفلسطينيين على تحقيق المصالحة بينهم. من جهته حافظ السيد إسماعيل هنية، على هذا التقليد في  مؤتمر صحفي له بعد عودته للأراضي الفلسطينية أنه "ناقش" مع المصريين خمس ملفات استراتيجية، والنقاش لا يعني الاتفاق، ولا بد فيما يبدو من استمرار الاتصالات في هذا الموضوع بين الطرفين في المستقبل. إن الشعب الفلسطيني يدين بهذه المبادرة الواعدة إلى الوساطة المصرية المغلّفة بالحزم والكتمان، وكذلك حركة حماس وديناميتها التي أصبحت أميل لواقعية الحقائق على الأرض في هذا الزمن بعد سنوات من التمسّك بالمواقف المتحدّية.  وايضاً للرئيس محمود عباس وحركة فتح على تجاوبها المخلص والسريع.

دخلت حركة حماس اليوم ، فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، عالماً جديداً يلفّه الوضوح  والدبلوماسية ومسؤولية الإجابة، بما لا يقبل الشك، على أسئلة مؤلمة وأساسية. نفس هذا التغيير كان قد كابده الرئيس الراحل ياسر عرفات في  أوائل سنوات العقد التاسع من القرن الماضي. ولقد بدأ السيد أبو مرزوق هذا الأسلوب الجديد في زيارته الأولى الأخيرة إلى روسيا، واستعمل نفس تعبيرات الرئيس عرفات من أن الحكومة الفلسطينية، التي ينص اتفاق حماس وفتح على  الشراكة بتشكيلها، ليست بالضرورة ملزمة بالاعتراف بإسرائيل طالما أن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت بإسرائيل، ثم أبدى رغبة حماس في الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية وانتخابات مجلسها الوطني. تنفيذاً لهذا المنطق الذي يعفي حركة حماس من الاعتراف بإسرائيل طالما أن منظمة التحرير الذي ستنضم حركة حماس لها قد اعترفت بها. لقد بدأ بشكل مبكر تغيّر لغة حماس السياسية حين أضاف أحد إخوانه من القيادات الفلسطينية في وفد حركة حماس بأنه "يأمل" أن لا تقوم إسرائيل بعرقلة إجراء الانتخابات الفلسطينية.

لم يعد كافياً اليوم أن تلغي حركة حماس مجلسها الإداري في غزة ، كما لن يعفي عودة وزراء حكومة التوافق إلى غزة حركة فتح والسلطة الوطنية من مساعدة الشعب الفلسطيني في غزة للخروج من المأساة التي يعيشها. ذلك لأن المطلوب منهما أن يتنازلا عن سلطات لم ينلها أحدهما عن طريق شرعي قرره الشعب الفلسطيني، صاحب الشرعية الوحيد. هل المصالحة بين حركتي فتح وحماس هي ما يريده الشعب الفلسطيني، وتستوجبه الأوضاع والأزمات التي يواجهها هذا الشعب؟ أوليس هناك مصالحة الآن بين حركتي فتح وحماس؟ أولم تكن هناك مصالحة بينهما في السنوات العشر التي أعقبت أحداث شهر يوليو (تموز) 2007 الدامية؟

فتح وحماس ليستا متخاصمتين ولا متصادمتين في ساحات الوغى وأتون المعارك، ولا كانا مختلفتان حقيقة على مبادئ وسبل وأسلوب وأهداف إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وإنما كانتا في صراع حول السلطة ومناطق النفوذ، وما يطلبه الشعب الفلسطيني اليوم ليس مصالحة بينهما، لأن هناك مصالحة واقعية وعمليّة بينهما تجلّت في حكومتي وفاق وتوافق منذ عام 2007. ان أساس الصراع الدامي بينهما هو اختلاف برامجهما السياسية. لقد فشلت التجربتان السابقتان لحكومتي الوفاق والتوافق لأن طرفيهما لا يريدان صيغة حقيقية وفاعلة لعمل فلسطيني وطني مشترك، بل تمسكا بالخيار الأكيد لتفشيل أي حكومة مشتركة عن طريق تجاهل الشرط الأساسي لنجاحها وهو التوصل إلى برنامج وطني مشترك تعمل على أساسه الحكومة التوافقية؟. وعلى افتراض حسن النية من الطرفين، فلماذا لم تنجح أي محاولة خلال العقد الماضي في إطار مفهوم المصالحة والتوافق والشراكة من تحقيق ما يريده الشعب الفلسطيني وتستوجبه ظروف الصمود والنجاح؟، إن نظرة واقعية للوضع الفلسطيني السياسي في المرحلة الحالية تفسّر ذلك بوضوح، إن حركتي فتح وحماس يجب أن يرجعا عن التمسك كلٍ ببرنامجها السياسي، اهذين البرنامجين اللذين ليسا فقط مختلفين في كافة الأوجه ولكنهما أيضًا متعارضين ومتصادمين ومعاديين لبعضهما أيضًا.

إن الخطوة الشجاعة التي قام بها التنظيمين الأكبر والأكثر شعبية خلال الأسبوع الماضي جديرة بالترحيب بها والعمل لإنجاحها وإعادة اللحمة للأرض والشعب الفلسطيني. والبرنامج الوطني المشترك بينهما وبتأييد من الشعب الفلسطيني هو الطريق الوحيد والأجدر بتحقيق هذه الأمنيات والمطالب. قد يترتب على حركتي فتح وحماس وكافة التنظيمات السياسية والمجتمعية العمل على رفع سقف الإنجازات الأخيرة، والتخلي عن السلطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لحكومة مؤقته مصغّرة برئاسة أعلى مستوى من رجال القضاء للتوصل بالحوار والتوافق إلى برنامج عمل وطني مشترك، يتم على أساسه الدعوة لانتخابات رئاسية وتشريعية تقود العمل الفلسطيني وتكسب تأييد الشعب واحترام العالم، حكومة وقيادة منتخبة نحارب جميعاً تحت راياتها الموحّدة لو فرض علينا القتال، ونفاوض ايضاً حولها فيما لو نجح تفاوض أو أفاد.

 

مروان كنفاني