كتب ومقالات

مقالات متنوعة

الشروط الفلسطينية ... ثم ماذا؟

2018-06-02 02:22:15

 

 

 

 

الشروط الفلسطينية الثلاث . . . ثم ماذا؟

لا يختلف إثنان على أن القنبلة التي فجّرها الرئيس الأمريكي ترامب حول القدس في اليوم السادس من شهر ديسمبر/كانون الأول 2017 قد شغلت العالم، والفلسطينيين بالذات، بسبب توقيتها ومفاجئها أولاّ وأهميتها ثانياَ. كان من غير المتوقع، لغالبية الدول العالمية والعربية والفلسطينين يالذات أن يصدر عن الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان رئيسها علنيّاً وشخصيّاً، مثل هذا القرار الفردي والجائر من دولة تبنّت مهمة الإشراف على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية خلال سنوات طويلة، ومن رئيسها الذي تعهّد منذ انتخابه المفاجئ يأن يكرّس جهده وجهد إدارته من أجل التوصل لحل نهائي لهذا النزاع وفق مبدأ حل الدولنين.

من ناحية أخرى فقد جاء الخطاب الاستعراضي للرئيس الأمريكي، ربما بشكل مقصود، غامضاً في أبعاده بالرغم من إصراره المستفز، فلم يحدد الخطاب أي "قدس" هي المقصودة، وتحاشى، ربما أيضاً بشكل مقصود، الإشارة إلى أنها القدس الموحّدة، أو القدس الغربية، أو القدس الشرقية، أو القدس العربية. والأغرب من ذلك هو أن نفس القانون الذي استند عليه لاتخاذ قراره، والذي وقّعه باستعراض مسرحي، كان يتضمن ضمن بنوده ما يفسد قرار الرئيس. فقد نشرت صحيفة (بوليفاكت) الأمريكية ريبرتاج طويل عن خطاب الرئيس الأمريكي وخلفياته في معرض انتقادها للرئيس ترامب بسبب تجنبه الإشارة لبعض الحقائق ضمن خطابه، أوردت فيه أن نفس القرار بقانون الذي أعلنه الرئيس ترامب ووقّع عليه وأرسله لوزارة الخارجية الأمريكية لتنفيذه، وهو قرار مجلس الشيوخ الأمريكي لعام 1995 الذي أعيد تأكيده مرة أخرى في  مجلس الشيوخ في شهر يونيه/حزيران من عام  2017 بأغلبية 90-0،  قد تضمّن في فقرة حاكمة إعادة تأكيد مجلس الشيوخ "لسياسة حكومة الولايات المتحدة الثابته منذ زمن طويل والتي وافق عليها الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والمتمثلة في أن الوضع الدائم للقدس يبقى موضوعاً يتم تقريره بين الأطراف من خلال المفاوضات النهائية باتجاه حل الدولتين". وقد يبدو أن الغموض الذي شاب خطاب الرئيس ترامب قد تم تفسيره من أطراف أخرى، نحن من بينها، بأن المقصود هي القدس العربية والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

جاءت ردود الفعل الشعبية الفلسطينية انعكاساً شرعيّاً للغضب والرفض، وصمد الشباب والشابات والشيوخ والأطفال على خطوط التماس بجهدهم ودمائهم، وتعرّضوا مرة أخرى للعسف والعنف والإجرام الذي تميّزت به قوات الاحتلال والإستيطان. واصطف العالم بأسره شعوباً ودولاً في رفض هذا الإجراء الأمريكي الذي لا مبرر له سوى الدعم الأعمى لأحزاب التطرف والعنصرية والإستيطان التي تحكم إسرائيل اليوم. كان كل ذلك مفهوماً ومبرراً باعتباره رد فعل عفوي وعاطفي يعكس كل ألم وعذاب شعبنا المناضل. ولكن الواقع والمنطق يقود إلى أن المسؤلية الوطنية المتعلقة بالتصدي لهذا التطور الخطير تقع على عاتق السلطة الوطنية والفصائل والأحزاب الفلسطينية التي تدير العمل السياسي الفلسطيني وتضع السياسات التي من المفروض أن تؤمن مصالح الشعب الفلسطيني وأهدافه في إنهاء الاحتلال ووقف الإستيطان. وفي هذا المجال ليس هناك مكان للغضب أو المقاطعة أو الانسحاب أو التبرير. يبدو واضحاً اليوم وبعد مرور أسابيع عدة على بدء الأزمة الحالية أن رد الفعل السياسي الفلسطيني قد شابته البلبلة والسلبية والتخبط ولإحباط، وبدا بوضوح شامل أن مسؤليها قد فشلوا في اتخاذ الخطوات والقرارات الممكنة والمؤيدة من الشرعية الدولية والدول العربية لتمتين الموقف الفلسطيني وتجنب أخطار وتداعيات قرار الرئيس ترامب، واكتفوا بالتماهي وربما المزايدة على الموقف الشعبي الفلسطيني  في تصريحات وقرارات لا تفيد مصالح شعبنا ولا تستطيع السلطة الوطنية تنفيذها، ولا يصدّقها أحد من الأصدقاء ولا الأعداء.

إن الشعب الفلسطيني يدرك بنباهته الطبيعية الفرق بين الشعارات الجادة والممكن تحقيقها وبين االتصريحات النارية التي لا يمكن تحقيقها والتي سوف يتم التنازل عنها.  بين الكلام الكثير الذي أطلقه المتحدثون الفلسطينيون الكثر طفت تهديدات لم يتم مناقشتها أو ذكرها أو حتى التعليق عليها لا من قبل الولايات المتحدة ورئيسها، ولا من إسرائيل ، ولا حتى من أية دولة أجنبية أو عربية أو إسلامية. أعلن كبار مفاوضي السلطة الوطنية أنهم لن يقابلوا أي مسؤول أمريكي زائر أو مقيم ، وأنهم لن يقبلوا ثانية توسط الولايات المتحدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنهم لن يقبلوا الضغوط أو النصائح أو العودة  للمفاوضات إلاً إذا تراجعت الولايات المتحدة وألغت قرارها حول عاصمة إسرائيل.

شروط  لا تؤيدها أي دولة أوروبية أو عالمية  بما فيها نعظم الدول العربية. إن دول العالم الداعمة لنا ولحقوقنا لا تريد "هزيمة" الولايات المتحدة ولا إهانتها وإذلالها، ولكنها تريد تفسيراً لأبعاد خطاب الرئيس الأمريكي يعطي الفلسطينيين حقوقهم بما فيها االحق في إعلان القدس العربية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة على  الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967،  وفق حراك سياسي قائم على حل الدولتين. إن هذه الأسس هي التي تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية وغالبية الفصائل والأحزاب الفلسطينية بما فيها حركة حماس وفق تصريحات قيادتها الأخيرة.

إن قراري مجلس الجامعة العربية المتتابعين خلال الفترة التالية لخطاب الرئيس ترامب قد وضعا أسس التحرك العربي، الذي يجب أن يتضمن التحرك الفلسطيني أيضاً، لمواجهة الخطورة التي قد تكون أسوأ ما تجابهه القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948. والأساس الأول يدعو للعمل الجماعي العربي لأخذ قرار دولي من مجلس الأمن بإعلان الدولة الفلسطينية، بينما يشترط الثاني أن تكون القدس العربية بما فيها من مقدسات هي عاصمة الدولة الفلسطينية. كيف يمكن التعامل لتأمين صدور هذين القرارين حال رفضنا الحديث واللقاء مع ممثلي الولايات المتحدة؟ وإذا كانت الولايات المتحدة قد قررت الإعتراف بالقدس الغربية فقط كعاصمة لإسرائيل، فإن شرط قبولنا هو إعتراف الولايات المتحدة  ومجلس الأمن بالدولة الفلسطينية وبالقدس العربية، بما فيها من أماكن مقدسة إسلامية ومسيحية ويهودية،عاصمة لتلك للدولة المستقلة على غرار ما كانت عليه الأمور في الأربع عشر قرناً الماضية.