مروان كنفاني ، اسم لامع في سماء الدبلوماسية الفلسطينية والعربية، عمل منذ عام 1986 مستشارا للرئيس عرفات ومتحدثا رسميا باسمه ، شغل عدة مناصب منها مدير الإعلام العربي في واشنطن عمل قبلها بالصندوق القومي الفلسطيني بالولايات المتحدة الأمريكية، كما شارك في عديد من الاجتماعات والمؤتمرات الدولية والعربية ، أصدر مؤخراً كتابه "سنوات الأمل" الذي يكشف فيه النقاب عن سمات شخصية للرئيس عرفات المثيرة للجدل، حياته وعمله ومنهج تفكيره وعلاقاته مع الرؤساء العرب وزعماء العالم، ودوره في الإعداد للانتفاضة الفلسطينية حتى حصاره الذي استمر لمدة عامين ونصف وأدى للنهاية التراجيدية لحياته أواخر عام 2004 ، ناقشنا معه العديد من القضايا في هذا الحوار:
بعد ثلاثة سنوات على رحيل الرئيس عرفات أصدرت "سنوات الأمل" لماذا اخترت هذا التوقيت؟
فقد قضيت 11 شهراً بالقاهرة من أجل الانتهاء منه وأردت أن أضع مشاهداتي وتجربتي خلال السنوات الطويلة التي عملت فيها بالسياسة خاصة بالسنوات التي تشرفت فيها بالعمل مع الرئيس عرفات بين يدي القارئ.
والكتاب ليس تاريخاً أو توثيقاً أو سرداً لما حدث خلال الأربعين عاماً الماضية، ولكنه شرح للتجربة الفلسطينية خلال تلك السنوات داخل الدائرة المحيطة بالرئيس والأسباب التي دفعته لاتخاذ قرارات سياسية معينة ومواقف سياسية معينة وعلاقاته مع الرؤساء العرب ورؤساء العالم وتحالفاته وأولوياته إضافة الى العودة للمراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية في جميع المحيطات التي عملت بها وكذلك يوجد في الخاتمة تقييم لتلك النتيجة وللوضع الحالي الفلسطيني واحتمالات المستقبل المنظور من وجهة نظري .
الكتاب سرد محايد للتجربة السياسية الفلسطينية ومسيرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني وليس مجرد سيرة ذاتية للرئيس عرفات رغم أن الكتاب يتطرق الى كل تلك المواضيع.
عنوان الكتاب إشكالي يثير العديد من الدلالات .. أي أمل تقصد؟ وهل انتهى الأمل في حل القضية الفلسطينية برحيل الرئيس عرفات ؟
لا أعتقد أن الكتاب يثير فقط الأمل في حل القضية الفلسطينية لأن الشعب الفلسطيني سوف يستمر في مقاومته للاحتلال وسوف يعمل من أجل الحرية والاستقلال.
واعتقد أن السنوات المقبلة سوف تشهد صعوبات في هذا المجال لعدة عوامل دولية وإقليمية وداخلية فلسطينية
وما يقلقني أكثر ليس التحديثات الدولية والإقليمية ولكن ما يقلقني هو الخلل الذي أصاب الوضع الفلسطيني خلال العامين الماضيين الذي بلور انقساما سياسيا وجغرافيا وشعبيا بين شطري الوطن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا هو الخطر الحالي والصعب الذي يواجهه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة .
لا شك أن رحيل الرئيس عرفات ترك فراغاً كبيرا نلمس نتائج الآن هل من الصعب تعويض شخصية عرفات؟
الشخصيات التاريخية لا تعوض والرئيس عرفات لم يكن قائداً للشعب الفلسطيني فقط ولكنه كان زعيماً تاريخياً مميزاً في فترة نصف القرن الماضي وأضاف الى العمل الوطني الفلسطيني ، وشكل نقطة مفصلية بين الضياع التام للوجود الفلسطيني السياسي والتشرد الذي واجهه الفلسطينيون بعد نكبة 1948، حيث استطاع أن يعيد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الى خارطة الشرق الأوسط والعامل، كما تمكن من تحويل القضية الفلسطينية من قضية لاجئين ومعونات ومخيمات الى قضية وطنية تتعلق بإنشاء دولة فلسطينية أصبحت الآن حقيقية ليس عند أنصار الشعب الفلسطيني فقط، ولكن عند دول العالم جميعاً بما في ذلك اسرائيل نفسها وأمريكا.
ذكرت في الكتاب التأثير الكبير لحصار الرئيس عرفات لمدة عامين ونصف العام على صحته مما أصابه بانكسار نفسي وأدى الى النهاية التراجيدية لحياته ، كما أشرت الى أن اسرائيل كانت على علم تام بأن عرفات لن يعود ثانية الى وطنه ولذلك مسحت له بالسفر الى باريس في رحلة علاجه الأخيرة . كيل يستقيم ذلك؟
موضوع إزاحة الرئيس عرفات من قبل اسرائيل عن الساحة السياسية ومن الحياة نفسها ليس موضوعاً سرياً ولا منفياً من إسرائيل في الماضي والحاضر، لذلك أشرت في ثلاثة مواضع في الكتاب على الأقل الى احتمالات التسميم التي يمكن أن يكون قد تعرض لها اضافة الى ما ذكرته انت من السماح له بالسفر الى فرنسا للعلاج بعد رفض لسنوات طويلة.
لقد أثر الحصار الذي استمر لأكثر من عامين ونصف العام على صحة الرئيس عرفات وقام المسئولين في مصر وتونس بإرسال بعثات طبية في وقت مبكر من عام 2004 نتيجة لقلقهم على الوضع الصحي للرئيس تحت الحصار تعبيراً عن اصراره على التواجد في الوطن والبقاء مع شعبه وهذا الموضوع لم يعد سراً وقد يتم الكشف في المستقبل عن الاسباب الحقيقية لموت ابي عمار.
لكن بعض الكتاب الإسرائيليين اشاروا الى تورط إسرائيل في مقتل عرفات لماذا لم يجر تحقيق دولي موسع على غرار ما حدث في اغتيال رفيق الحريري؟
لقد المح الكاتب الاسرائيلي "دان ران" الذي كان مقرباً من شارون الى دور شارون في التخلص من الرئيس عرفات.
موضوع التحقيق الدولي يتعلق بمصالح الدول الكبرى في هذا الشأن.
وأنا أؤيد فكرة عمل لجنة تحقيق دولية لمعرفة الأسباب التي أدت الى وفاة الرئيس عرفات وعما إذا كانت هناك شبهات في هذا الموضوع.
كيف ترون ما جرى يوم مهرجان تأبين الرئيس عرفات من أحداث مؤسفة ، وإطلاق نار على الجماهير التي جاءت للاحتفال بهذا الرمز الكبير وسقوط قتلى في هذه المناسبة؟
لم يكن ما حدث في هذا اليوم الحزين مقصوداً به شخصية الرئيس عرفات والاحتفال بذكراه ولكنه كانت حلقة في سلسلة الصدامات الفلسطينية الداخلية التي شهدنا تصاعدها في الفترة الأخيرة وما حدث كان مؤسفا خاصة فيما يتعلق بالضحايا الذين سقطوا في هذا الصدام وفي خاتمة كتابي تعمدت أن أكون قاسيا في الحكم على كل الأطراف وليس طرف وأحد لسماحهم وتغاضبهم في عدم الولوج الي الدم الفلسطيني.
وأشهد أن قيادة حماس في فترة السنوات الماضية وأنا اتكلم عن الشيخ احمد ياسين كانت حريصة على عدم إراقة الدم الفلسطيني من أي طرف وقد تشارك في هذا المسلك الرئيس عرفات والشيخ ياسين وأشهد أن كليهما في لحظات التوتر اتخذ المواقف والقرارات الجريئة في تحاشي الصدام الفلسطيني .
هل يؤثر ذلك على الحوار الداخلي؟
بالتأكيد ، لأن الحوار الداخلي يتطلب التهيئة والمسئولية والموضوعية وقد اختار الشعب الفلسطيني قيادته الشرعية وهي المتمثلة في رئاسة محمود عباس وحكومته وحركة حماس التي فازت في انتخابات عام 2006 بصورة نزيهة وواضحة وحاسمة وما لم يتم التفاهم بين هاتين الشرعيتين على الصلاحيات وفق ما نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني فإن أي خلاف في هذا الصدد غير مبرر وغير أخلاقي وغير وطني.
الى متى سيستمر هذا الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس؟
اعتقد أن هناك واجباً وطنياً وسياسياً على قيادات حركتي حماس وفتح خاصة الرئيس محود عباس والسيد خالد مشعل لوضع هذا الموضوع على رأس جدول اعمالهما والقيام بكل ما يمكنهما لإعادة اللحمة الى الشعب والأرض الفلسطينية.
لماذا رفض الرئيس عرفات المشاركة في محادثات مينا هاوس؟
لم يكن باستطاعة الرئيس عرفات المشاركة في الاجتماع لأسباب خاصة بالوضع الفلسطيني نتيجة لمعرفته أن الموقفين الاسرائيلي والأمريكي لن يسمحا له بمشاركة جدية، وأن الدعوة جاءت فقط نتيجة لحرص المسئولين المصريين على مشاركة الفلسطينيين في المحادثات.
وكانت لدى الرئيس عرفات معلومات بأن الجانبين الاسرائيلي والأمريكي رفضا هذه المشاركة وأن الوفد الاسرائيلي كان عازما على عدم المشاركة في حالة حضور الوفد الفلسطيني.
هل تعتقد أن الرئيس عرفات كان نادماً لعدم المشاركة؟
لا أعتقد ذلك
كيف تفسر موقف عرفات من احتلال العراق للكويت والتضحية بعلاقاته بالدول العربية في سبيل كسب صداقة صدام حسين؟
كان الرئيس عرفات يخشى من التدخل الأجنبي في قضية خلاف عربي ولما قد ينتج عن هذا من مشاكل عربية وإقليمية والآن وبعد سنوات طويلة أرى شخصياً أن موقف الرئيس عرفات بالرغم من عدم وضوحه كان بعيداً عن النتائج التي نراها الآن للتدخل الأجنبي في العراق.
من الذي كان يكتب خطابات الرئيس عرفات أنت أم الشاعر محمود درويش؟
الرئيس عرفات كان يكلف أكثر من شخص بكتابة خطاباته المهمة وقد شرفت بكتابة مشاريع عدة خطابات للرئيس عرفات كما قام غيري بذلك ولكن الثمن النهائي لخطاب الرئيس كان دائما يخضع لإضافات وحذف وتعديل من الرئيس عرفات نفسه وبقلمه الأحمر المداد.
خصصت فصلاً كاملا في الكتاب علاقة عرفات بمصر والدعم المصري للقضية الفلسطينية وهناك من يشكك في الدور السياسي المصري وتراجعه لحساب دول أخرى ما رأيك.
علاقة مصر دائمة بالقضية الفلسطينية كانت واضحة ليس فقط بسبب الحوار ولكن أيضا بسبب الأخوة والانتماء العربي والإسلامي والأولوية التي وضعتها مصر لإيجاد حل عادل لمشكلة الشعب الفلسطيني. وكان عرفات شديد الاهتمام بالعلاقة مع مصر رغم أن هذه العلاقات تعرضت لعدة أزمات بعضها كان قاسياً إلا أن كلا الطرفين نجحا في تجاوز هذه الأزمات وفي خلال السنوات الأخيرة من حياة الرئيس عرفات كان هناك تعاون كامل بين القيادتين المصرية والفلسطينية وكان الرئيس عرفات يثق ويأنس بالرئيس مبارك ويتشاور معه في جميع الأمور كما كان الرئيس مبارك واسع الصدر في الاستماع للرئيس عرفات وناصحا له وعمل الرئيس مبارك على تحسين العلاقات الفلسطينية العربية خاصة بعد أزمة الحرب العراقية الكويتية وكذلك مع أوروبا والولايات المتحدة.
ولا يزال الدور المصري رائداً في العلاقات العربية كما أن الدور المصري بشموله شكل ضرورة فلسطينية حرص الرئيس عرفات على التمسك بها دائماً.
وكان عرفات واعياً لأهمية التحالفات العربية والدولية خاصة مع دوال الجوار العربي ودول الخليج وخاصة السعودية وجميع الدول العربية والإسلامية أساساً للموقف التفاوضي الفلسطيني ودعاماً له في مختلف مراحل عمله لتحقيق الأهداف الشرعية للشعب الفلسطيني.
لماذا اخترت مصر لكتابة وطبع الكتاب؟
فضلت الإقامة في القاهرة لإنجاز الكتاب حتى أكون قريبا من مركز الأحداث التي تجري في فلسطين حيث يقيم أولادي.
ما علاقتك بالقضية الفلسطينية الآن بعد رحيل عرفات؟
انا اعتزلت العمل السياسي قناعة أنه يجب اعطاء فرصة للحكومة الجديدة التي انتخبها الشعب الفلسطيني ولكني أساهم في العمل الوطني بكل إمكانياتي بناء على تجربتي السابقة واهتمامي بهذا الموضوع الذي عشت حياتي منشغلا به.
هل تعتقد ان مؤتمر "انابوليس" يمكن أن ينصف الفلسطينيين ويرد لهم حقوقهم؟
مؤتمر انابوليس كما أراه هو تعبير عن الاهتمام الدولي بإيجاد حل للقضية الفلسطينية ، وهذا بحد ذاته مهم وكما توقعت في الكتاب فإن المؤتمر لم يقدم شيئاً جديدا سوى إعادة الحياة لعملية السلام والتي ماتت وفي أي مؤتمر تبحث في القضية الفلسطينية والقضايا العربية انا من انصار المشاركة الإيجابية للقيادة الفلسطينية والقيادات العربية لإبداء وجهة نظرهم واهتماماتهم وأولوياتهم في هذا الصدد .
ولكن من ناحية أخرى أعتقد أن السبب في فشل المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية ليس في الصيغ والوثائق والدعوات الحافزة لعودة المفاوضات وإنما هي في المفاوضات نفسها والموقف الاسرائيلي الرافض لتطبيق نص وروح اتفاقيات السلام التي قامت أساسا على مفهوم الأرض مقابل السلام .
ومن هذه النقطة أعتقد أن العودة للمفاوضات دون أن يقدم المجتمع الدولي شيئاً جديدا يشجع الفلسطينيين على الاستمرار فيها قد يكون له نتائج وخيمة على الصعيد الفلسطيني والشرق الأوسط على غرار ما حدث في مؤتمر كامب ديفيد 2000 ، حيث تسبب فشل المفاوضات في انهيار الأمور وبدء العدوان الاسرائيلي على الشعب والأرض الفلسطينية .
كيف تقيم قيام السلطة الفلسطينية بسحب أسلحة المقاومين في الضفة ؟
هناك فرق كبير بين تحقيق النظام العام والأمن والأمان للمواطن الفلسطيني أو توقف المقاومة وسحب أسلحتها كما ذكرت.
هناك إجراءات في غزة لضمان تحقيق الأمن الداخلي والسيطرة على انتشار الأسلحة التي تهدد أمن المجتمع الفلسطيني.
ما الهدف من مطالبة اسرائيل السلطة الفلسطينية بالاعتراف بيهودية اسرائيل؟
منذ قيام اسرائيل وجدت خلافات بين الأحزاب السياسية والاسرائيلية حول مساحة الدولة وأصرت قيادات اسرائيلية على يهودية الدولة؟ وأن تكون الغالبية المطلقة من سكانها من اليهود. وأخشى إن إصرار رئيس الوزراء الاسرائيلي أولمرت على يهودية الدولة تعني الغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتأكيد حق الهجرة لأي يهودي في العالم والإقامة في إسرائيل اضافة الى تلميحاته عن عدم رغبة اسرائيل في بناء تجمعات عربية كبيرة داخل الحدود الاسرائيلية المرسومة لدرجة أن هناك بعض الاشارات من مسئولين اسرائيليين الى العرب الاسرائيليين باحتمال تهجيرهم من أماكن إقامتهم وأيضا إزاحة الغالبية العربية في القدس العربية التي أعلنت اسرائيل ضمها نهائيا الى دولة إسرائيل.
بم تحب أن تختم هذا الحوار؟
التأكيد على أهمية أولوية تماسك الموقف الفلسطيني الوطني وإعادة اللحمة الى الشعب والأرض الفلسطينية . وأعتقد أن ذلك ممكن وضروري وأساسي في تقوية مركز الشعب الفلسطيني في التصدي للاحتلال الإسرائيلي ، وكذلك الموقف التفاوضي الفلسطيني والعربي الذي لا يتحقق الا بوحدة الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية وهذه في رأيي المهمة الأولى لقيادتي حكرتي فتح وحماس الممثلين الآن شرعياً عن السياسة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية .