جنوب لبنان وجنوب فلسطين: مشتركات التجربتين
جريدة الحياة اللبنانية 4/2/2008
من المعروف في العالم العربي وبخاصة في البلدان العربية ان السكان المتجاورين على الحدود الدولية التي تفصل بين بلدانهم تجمعهم صفات مشتركة من حيث العادات والتقاليد واللباس واللهجة ، يكان يصعب التفريق اليوم بين سكان مدن العريش ورفح المصرية وسكان مدن رفح وخان يونس الفلسطينية ، ولا بين السكان السوريين واللبنانيين على جانبي الحدود التي تفصل بينهما، ولا الجزائريين والمغاربة خاصة وأن حدود دولنا العربية قد تم رسمها بشكل أو آخر من قبل قوى أجنبية محتلة ، لكن الجدير بالملاحظة أنه قد تبلور في سنوات العقد الأخير تشابها من نوع آخر، نوع أيديولوجي وسياسي ونضالي بعيدا عن التجاور في الحدود، بين جنوب لبنان وجنوب فلسطين.
في جنوب لبنان كما في جنوب فلسطين وبالتحديد قطاع غزة ، تسيطر تنظيمات سياسية ونضالية ذات محتوى ديني، رغم الاختلاف المذهبي بين شيعة من هم في جنوب لبنان وسنة من هم في جنوب فلسطين وفي تلك المنطقتين ايضا ولاء مطلب للإمام والفتوى ، وقناعة عميقة بالتفسير الديني لطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي .
وتتمتع تلك التنظيمات ، في كل من جنوب لبنان وجنوب فلسطين ، بسيطرة مطلقة على المناطق التي تتواجد فيها ، مع تأييد نسبي واضح في أجزاء المناطق الشرقية من بلادهم تتمثل في وادي البقاع ومنطق بعلبك في لبنان والضفة الغربية في فلسطين.
وكلا التنظيمين يتبنى رفضا مطلقا للاعتراف بإسرائيل أو التعامل معها ، وفي مواجهات اعلامية تحريضية ضد سياساتها وممارساتها، ومواجهات دائمة ودامية على الأرض بعضها من صنع اسرائيلي بحث لأهداف لا تخفى على أحد لم يمض بعد عام على الحرب بين حزب الله واسرائيل ، بينما يستمر مسلسل الاجتياحات والاغتيال والقصف الصاروخي يومياً بين حماس، وغيرها من المنظمات الفلسطينية، وبين اسرائيل ويدفع في الغالب مقاتلي وناشطي حركة حماس وكتائب القسام الثمن الذي تعمل اسرائيل على توزيعه أيضا على كافة التنظيمات والمواطنين الفلسطينيين بالتساوي.
وتتشابه رؤية حركة حماس وتنظيم حزب الله من أن أي حل سياسي توافقي في ما يتعلق بالمسارين الخارجي والداخلين ، في ظل الشكوك والاتهامات المتبادلة مع نظراتهما من التنظيمات الأساسية الأخرى، خطراً يهدد ليس وجودهما كتنظيمين فاعلين فقط بل ووجود الوطن نفسه واستقلاله وحرياته.
وكلاهما ايضا في مواجهات سياسية، لم تتطور في لبنان بعد لمواجهات مسلحة كما حدث في قطاع غزة في عدد من الأحزاب والمنظمات السياسية الرائدة في بلادهم وينذر الوضع في هذا المجال باحتمالات مثل ذلك الصدامات على الأرض في كل البلدين، ما لم يتم التواصل الى حلول توافقية مقبولة في عملية سلام ليس مع الاسرائيليين هذه المرة بل بين اللبنانيين والفلسطينيين أنفسهم .
وكلا التنظيمين يتبنى برنامجا سياسيا ونضاليا واجتماعيا مختلفا، بل ربما متناقضا واجتماعيا مختلفا، بل ربما متناقضاً ، مع برامج بقية القوى السياسية الأساسية التي تشاطرها الوطن برنامجاً ليس قائما فقط على اجتهادات ووجهات نظر مختلفة بل على قناعة وتصميم على انه البرنامج الأمثل والأفضل والوحيد الذي يجب تبنيه. أو قبوله من دون شرط من قبل جميع القوى السياسية الأخرى باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل كافة مشاكل البلاد الداخلية والخارجية والمجتمعية، ويرفض أي صيغة أو اجتهاد آخر ولو كان شرعيا يعرض أفكارا أو سياسات تتعارض مع برامجها السياسية والنضالية.
وكلاهما يعتمد على تحالفات داخلية وخارجية قوية ومصادر تمويل وتسليح وفيرة ومتقدمة.
وكلا التنظيمين يواجه تحالفا داخليا معارضا ومختلفا في الرؤية والمنهج والأهداف مدعوم أيضا بتحالفات داخلية وإقليمية ودولية، وتتهم كل من حركتي حماس وتنظيم حزب الله تلك التحالفات بمحاولة إلغاء شرعيتها، كما في جنوب فلسطين ، أو تحجيم نفوذها كما في جنوب لبنان وكلاهما يتمتع بتأييد شعبي مختلف النسبة لدى جماهير الامتين العربية والإسلامية وبعض دولها وهما عضوان دائمان في لائحة المنظمات الإرهابية الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.
وكلاهما ، أخيرا يواجه مصاعب وضغوط هائلة ومؤثرة، وتحالفات دول عربية وإقليمية ودولية ، ومخططات لحل مشاكل تلك الدول ومطامعها في المنطقة على أرض لبنان أو فلسطين اصغر وأشعف دولتين إذا جاز التعبير بالنسبة لفلسطين، عربيتين في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ليس هناك من شك في الحق القانوني والأخلاقي لهاتين المنظمتين التوأمين في تبوء دور أساسي في مقدرات بلديهما، فلقد نالت هذا الحق من خلال صناديق الانتخابات وعن طريق تضحياتها التي لا يستطيع إنكارها احد.
ولكن المشكلة في ما يبدو أنهما تطالبان بدور يلغي أدوار الآخرين، أو يهمشها على الأقل، بينما لا يرغب الآخرون في إعطائهما أي دور فاعل على الإطلاق لقد علمتنا التجارب أن الضغط ومحاولات العزل تدفع أحيانا باتجاه المزيد من التطرف والعناد مما لا يكون دائماً في مصلحة أن تنظيم ولا في مصلحة الوطن ايضا. إن ما حصل في قطاع غزة في الصيف الماضي على خطورته وخطته، دليل على صحة تلك المقولة.
أخطر ما يمكن تصوره من احتمالات وليس أبعدها، هو أن يستعمل احد أطراف تفاهم جنوب لبنان وجنوب فلسطين أو كليهما. ربما بدون إرادتهما، من قبل قوى إقليمية أو خارجية للتدخل تحت شعار محاربة الإرهاب أو الحفاظ على استقلال لبنان أو الدفع باتجاه القضاء على "أعداء السلام" في فلسطين.
تبدو احتمالات المستقبل المنظور في ما يتعلق بالوفاق الوطني والمجتمعي في كل من لبنان وفلسطين قائمة على أحسن الاعتبارات فمع كل يوم يستمر فيه الوضع الحالي المحزن تزداد احتمالات الانفصال النهائي بين شطري الوطن الفلسطيني كما تزداد احتمالات الانفصال النهائي بين شطري الوطن الفلسطيني كما تزداد احتمالات تدهور الأوضاع الداخلية في لبنان ليس أمام الفرقاء المختلفين على حكم بلادهم في جنوب لبنان وفلسطين وشرقها وغربها، سوى التوصل الى وفاق يحافظ على تلك الأوطان وفاق على برنامج سياسي وطني يضمن مشاركة جميع القوى السياسية ويؤكد ضمانات حقوق الأقليات السياسية، وليس العددية ، في ظل حكم الأغلبية التي يقررها الشعب من خلال الانتخابات ولقد وجدت دول كثيرة لضمان حقوق الأغلبية والأقلية حلولا عديدة أهمها إنشاء مجلسين تشريعيين منتخبين أحدها وفق الأغلبية العددية وثانيها وفق تمثيل مناطقي متساوي.
لا يبدو من حل آخر ممكن في ظل عدم استطاعة تحالف جنوب لبنان وفلسطين، ولا التحالفات المعارضة له ، حسم الموضوع بالقوة على الأرض سوى أن يقود تعنت كافة الأطراف، وليس بعضها فقط كما تحاول أجهزة الإعلام ترويجه ، الى فتح الأبواب مشرعة أمام تدخل أ<نبي تدفع جميعا وبلا استثناء ثمنا باهظا له، ولدينا العراق وما جرى ويجرى فيه شاهدا عدلا على ذلك.