كتب ومقالات

مقالات متنوعة

مقالات سنوات الأمل

2018-10-25 23:29:07

 

 

 

 

 

 

كلام قديم لواقع حديث

مقالات في سنوات الأمل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مروان كنفاني

 

 

 

 

هذا الكتيّب يتضمن مقالات قصيرة نشرتها في جرائد فلسطينية في عام 1996، قبل وقت طويل من تدهور الأوضاع في بلدنا الصغير، مقالات كانت مؤشّراً لما كان ينتظرنا. أعيد نشرها اليوم للجيل الفلسطيني الذي لم يعاصر أحداث السنوات الست التي ختمت القرن العشرين، ولا الظروف الصعبة والمعقّدة التي واكبت السنوات التي وسمت المرحلة الطويلة التالية التي يعيثها شعبنا اليوم، وهي السنوات ما بين عام 1994 – 2000، والتي أسميتها "سنوات الأمل" في كتاب سابق لي. عسى أن يجد شباينا  في نلك المقالات، ومقالات وبرامج إذاعية وتلفزيونية  وندوات واجتماعات أخرى للعديد من المثقفين والناشطين الفلسطينيين، صورة مشجعّة لبدء حلم لإقامة مجتمع فلسطيني ديمقراطي يحكمه القانون وتغمره الشفافية والعدالة والحرية. كان ذلك في وقت لم يكن الرأي والعمل الوطني قد دخل في عهد الخوف الذي نعيشه اليوم في شمال وجنوب ما تبقى لنا من وطن. أملي أن يشرح هذا العمل المتواضع ويفسّر الظروف التي أحاطت بالفلسطينيين بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في عام 1993 وعودة السلطة الوطنية ورئيسها الشهيد ياسر عرفات للأراضي الفلسطينية في منتصف عام 1994.

في منتصف عام 1994، التقى الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في مدن وقرى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع من مواطنين ولاجئين، الذين شكلوا غالبية سكان الكيانية السياسية الفلسطينية الجديدة، مع أولئك الفلسطينيين "العائدين" إلى الأراضي الفلسطينية بعد ستة وأربعين عاماً من طردهم من بيوتهم وأراضيهم في عام 1948، على قلة عددهم، مع أولئك الفلسطينيين المبعدين من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم أيضاً قليل، وأخيراً أولئك الفلسطينيين من ضباط وجنود جيش التحرير الفلسطيني الذين شاركوا في حرب 1967 ثم انسحبوا إلى معسكرات خاصة بهم في ضواحي القاهرة وأماكن الإيواء في الأردن وسوريا والعراق والسودان. تجمّع هذا الخليط  من الفلسطينيين في جزء من أرضهم التاريخية ، جزء مبعثر بين قطاع غزة والضفة الغربية. ولأول مرّة في تاريخ الشعب الفلسطيني تسنّى له حكم نفسه بنفسه، في كيانية سياسية ناقصة السيادة وضعيفة الإمكانات والخبرة والممارسة.

تحتّم على هذا الخليط من البشر، الذين يجمعهم فقط كونهم فلسطينيين، أن يواجهوا مهمة صعبة لتوحيد المصالح الجماعية والاستمرار في النضال لاستكمال تحقيق أهداف شعبنا الشرعية، وتأمين السلام المجتمعي وتحسين الأوضاع الاقتصادية وبناء الوطن الجديد والتصدي للاحتلال النهم،  بينما كانت  تفرقهم السياسة والتجربة وسنوات طويلة من اللجوء في بلاد عربية وغير عربية، واختلاف قناعاتهم ووسائلهم وانتمائهم ولهجتهم وتطلعاتهم، وأوضاع تركت أثراً يصعب التخلص منه. هذا الخليط الذي اجتمع في بقعة أرض تحكمها أربع قوانين مختلفة، تركية وبريطانية وأردنية وإسرائيلية. ويتداول سكانها عملة أردنية في تثمين الأرض والعقار، وعملة إسرائيلية لمتطلبات حياتهم اليومية، ودولار أمريكي في تقدير مرتباتهم؟ تلك المشاكل التي كانت، رغم صعوبتها، الأسهل من تلك الأخرى والكثيرة التي كانت  تنتظرهم في الأيام والسنوات التالية.

كانت هناك شكوك شرعية لدى الكثيرين حول كيف سيتعامل هذا الخليط من الناس مع الواقع الفلسطيني الجديد؟  كيف سيتعاملون مع المخافر والسجون والمخالفات والشرطة والأجهزة الأمنية الجديدة، وتنفيذ قواعد المرور ودفع رسوم الماء والكهرباء وقضايا التوظيف والترقية وتعيين المحافظين والقضاة. وهل سيكون هناك سجون يديرها فلسطينيون، ونحن الذين كنّا ضحية للسجون الشرقية والغربية.  وهل سيمكننا أن ندير انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية وتشكيل حكومات وتعيين سفراء وضبط مصالح الضرائب ورقابة الأراضي والممتلكات والعناية بالصحة والمرضى والعجزة وإصدار أذون الدفن والاستدعاء للتحقيق. كل ذلك في بلد محتل وشعب منقسم.

استيقظ شعبنا بعد أسابيع قليلة على وصول السلطة الوطنية على مفردات جديدة لتوصيف أفراد شعبنا المناضل المظلوم، مفردات أضافت إلى مفردات قديمة، بين مواطن ولاجئ، ومدني وفلاح، ومسلم ومسيحي، وأصلي وعائد، وغزاوي وضفّاوي، ومقاوم ومنبطح، وفتحاوي وحمساوي، ومؤيد ومعارض.

سبق عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأرض الفلسطينية بسنوات قليلة ظهور وتبّلور منظمة فلسطينية جديدة وقوية ليست كمثيلاتها من المنظمات الفلسطينية الشركاء في منظمة التحرير الفلسطينية بل بديلاً عنها وعن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها. كانت تلك المنظمة الجديدة هي حركة المقاومة الإسلامية-حماس التي تبنّت برنامجاً مختلفا ومعارضاً لبرنامج منظمة التحرير وحركة فتح الرائدة بشكل خاص.

كان للفلسطينيين، منذ عام 1948 الأليم وكذلك منظمتهم التي رعتهم منذ عام 1964، تاريخاً دامياً في علاقاتهم مع الدول العربية المجاورة لهم والبعيدة عنهم. وعندما حان موعد العودة للوطن، كانت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية على وفاق خجل مع بعض الدول العربية والإسلامية، وعداء واضح مع بعضها الآخر. لم تكن قد مرت سنوات عدد اليد الواحدة على عودة تطبيع العلاقات الفلسطينية مع مصر، الحليف الأقوى والأقدم  والأقرب لفلسطين، بعد مشهد كامب ديفيد المصري الإسرائيلي. كما لم تكن قد خمدت بعد نار الغضب السعودية والخليجية جرّاء الموقف الفلسطيني من اجتياح الكويت، بينما أبدت الجزائر وليبيا وسوريا والسودان امتعاضها من موافقة السلطة الفلسطينية على اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل مع إسرائيل، ووقفت لبنان وتونس والمغرب والكويت وعُمان والعراق على الحياد، وأشهرت دولة قطر حرباً إعلامية عشواء، وقادت جبهة الرفض والدفع، وفتحت قلبها وأرضها وجزيرتها لكل من أراد أن يفضح الانبطاح الخياني، وساهمت في تصنيف الشعب الفلسطيني بين مجموعة من الخونة يقودها ياسر عرفات وحركة فتح  ومجموعة من المجاهدين الأنقياء الأتقياء يقودها خالد مشعل وحركة حماس. وبينما اقتصرت الدول الغاضبة بالدعم الإعلامي والمالي لحركة حماس، تجاوز البعض منها ذلك بتأمين المعسكرات لتدريب وتأهيل الفصيل القادم الجديد إضافة لعشرات المنح الدراسية الجامعية. وما أن أهلّ عام 1994 حتى كانت ساحة المعركة للمواجهة الفلسطينية الفلسطينية جاهزة للنزال.

الأهم من كل ما سبق من التحديات التي واجهت السلطة الفلسطينية الوليدة، وأكثرها صعوبة ودموية وبأساً وخداعاً وغدراً، كانت إسرائيل، باحتلالها ومصادراتها وحصارها واجتياحاتها ومخططاتها للاستيلاء على القدس والخليل وبناء المستوطنات، وسياساتها وممارستها الوحشية في قتل الفلسطينيين وهدم بيوتهم واعتقال نشطائهم.

على الرغم من تلك الظروف الكارثية الصعبة فقد كانت السنوات الأولى القصيرة لعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأرض الفلسطينية بارقة أمل غمرت الشعب والأرض بالأمل، وطافت بشائرها على المدن الفلسطينية التي تحررت من الاحتلال، وبدت المدن والقرى الفلسطينية كحقل ربيعي تنبت فيها كل لحظة نبتة جميلة، وباتت  غزة ورام الله كعروس في ليلة زفافها، واشرأبت خضرتها وارتفعت أبنيتها وانتظمت قواعدها ولبست حلة رائعة للعمل والتقدم، وغرّد عشرات الآلاف من تلاميذها نشيدنا الوطني المحظور كل صباح، وبدا أن هناك عهداً جديدا وسعيداً ينتظر شعبنا الذي طالت أيام عذابه وحرمانه. عادت السلطة الفلسطينية وفق تفاهمات تنفيذ اتفاق أوسلو إلى قطاع غزة ومنطقة أريحا فقط وتحدد جدول آخر لمفاوضات حول تنفيذ تسليم المدن الفلسطينية الأخرى، الأمر الذي تم بسرعة ما عدا مدينة الخليل التي شكّلت أزمة استمرت لما بعد اغتيال رئيس وزراء إسرائيل رابين. عند ذلك التاريخ سقطت وانتهت عملية السلام. 

جاءت انتخابات عام 1996 الرئاسية والتشريعية لتدعم القناعة الفلسطينية والشرعية الدولية بتطور الكيانية السياسية الفلسطينية، ولعب المجلس التشريعي دوراً رائداً في سن القوانين وتحديد الصلاحيات ومراقبة السلطة التنفيذية. في خلال أشهر قليلة تمكّن المجلس التشريعي من تحقيق تنظيف السجون من المعتقلين السياسيين، كما تحقق تحويل المرتبات الحكومية، التي كانت وسيلة للفساد وعدم الصدقية،  لحسابات الموظفين في البنوك مباشرة، وتمسّك المجلس التشريعي، الذي كانت غالبيته من أعضاء حركة فتح، بحقه في مناقشة وإقرار المشاريع والميزانية ومراقبة أداء رئيس الوزراء والوزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية من خلال جلسات استماع متتالية وفعّالة. ولكننا وإسرائيل والأيام كنّا على موعد آخر ودرب طويل من المزيد من الدم والظلم والشقاء.

في الجزء الأخير من عام 1994 وبداية عام 1995 بدأت بوادر الخلافات والاختلافات بين الفلسطينيين واضحة للعيان.  تلك الخلافات التي مهّدت ورسمت السنوات التي تلت حتى يومنا هذا. بعد المواجهات الأولى المباشرة بين السلطة وأتباع حركة حماس والتي انتصرت بها قوات السلطة، انتهجت حركة حماس استراتيجية جديدة تتمثل في عدم الصدام المباشر مع قوات السلطة، وانتهاج حكمة المقولة "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين" عن طريق ضرب إسرائيل بعمليات انتحارية ترد عليها إسرائيل بضرب السلطة وقواتها والمراكز الأمنية والبدء في حصار غزة ومنع العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل. هذه الاستراتيجية التي برهنت على فاعليتها وحققت نتائجها المنشودة.

أصبحت الأزمة الفلسطينية نتيجة لذلك خاصة في قطاع غزة ذات أبعاد أيديولوجية وسياسية واقتصادية وأمنية ومجتمعية. حيث أصبحت فرص العمل شحيحة ومرتبطة أساساً على العمل في الدوائر الحكومية التي سبق شغلها من أتباع حركة فتح. وازداد عدد المتضررين والعاطلين عن العمل، وانخفضت مستويات الدخول وابتدأت حملات الاتهامات بالفساد التي أشعلت نيرانها وسائل إعلامية فلسطينية وعربية وأجنبية، وازداد اتجاه السلطة نحو الاحتكار لتغطية تكاليف الوضع الجديد، وأصبحت الدوائر الأمنية هي المستورد الوحيد للحديد والإسمنت والبترول، واتحدت العائلات للضغط على نصيبها من الوظائف على مختلف درجاتها، وبات التظاهر والاعتصام والإضرابات وسيلة دارجة لتجمّع العائلات.

تطوّر الخلاف بين حركتي حماس وفتح من المظاهرات والاعتصامات إلى التراشق بالحجارة والرصاص إلى عمليات اغتيال بين الطرفين الأساسيين ذهب ضحيتها ضباط من جهاز المخابرات وقوة التدخل السريع ونشطاء من حركة حماس وإعلاميين ومواطنين. وقامت السلطة باعتقال بعض قادة حركة حماس بينهم الأخ هنية والزهار وآخرين من نشطائهم. وقبيل بدء الانتفاضة عام 2000، كان قادة حماس يتجولون علناً محاطين بحراسات مسلحة وسيارات مرافقة ولباس عسكري يحمل شعارات حماس. وفُقد تماماً الأمن والأمان، والقصة بتفاصيلها قد رويتها في كتابين، "سنوات الأمل" "وجدلية النجاح والفشل".

ما حصل في منتصف عام 2007 كان حتماً متوقعاً، ونتيجة لممارسات وسياسات التنظيمين الأكبر والأقوى من الفصائل الفلسطينية. كما أن فشل التوصّل لاتفاق يُنهي الصراع كان ولا زال من صنع حركتي فتح وحماس نتيجة للرغبة في الاستحواذ والحكم والسيطرة، وكان الشعب الفلسطيني هو الضحية.

شهد العقد الماضي من حياة شعبنا واقعاً جديداً وخطيراً يتمثل في تراجع المسؤولية الوطنية نتيجة لدخولنا في زمن الخوف. لماذا اصبح الخوف يلف شعبنا؟ ولمَ يخاف وممن يخاف؟ إسرائيل لا تخيف الشعب الفلسطيني، لأنه عركها وعركته، وتعرّف على مواقع القوة والضعف فيها. ولكن الفلسطيني اليوم بات يخاف من بعض الفلسطينيين، يخاف من تصنيف عشوائي يهدف إلى الاتهام تمهيداً للانتقام.  هذا الخوف لا يصيب المواطنين البسطاء الذين يهمهم سلامة مجتمعهم وتماسكه وقوته، وإنما يصيب غالباً المستشارين والوزراء والسفراء والنواب المتنفذين والعسس، اللذين يخلطون في مكاتب النفوذ في رام الله وغزة، بين حق الرؤساء والقادة بالاحترام وبين فرض الطاعة العمياء والسكوت المطلق على المواطن الذي يرى بأم عينيه ويسمع بأذنيه ويحزن في قلبه إلى ما آل اليه حالنا.

هذه المقالات كتبت ونُشرت في صحف فلسطينية منذ اثنين وعشرين عاماً، في وقت عصيب وظروف صعبة. ولكنه كان أيضاً عهد الأمل، حيث لم يكن عهد الخوف قد أهلّ بعد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقال 1

جريدة الحياة الجديدة

7/8/1996

بكل الغضب . .

ما جرى في نابلس في الأسبوع  الماضي كان جريمة لا يختلف فلسطينيان حول طبيعتها وأبعادها وعواقبها، ولقد عبر الشعب الفلسطيني عن غضبه على تلك الجريمة بشكل واضح وكان غضبا مشروعا ربما ليس فقط على هذه الجريمة فحسب بل ايضا على كل التجاوزات والأخطاء والانتهاكات السابقة التي كانت لا تزال كامنة وكامنا غضبها في ضمي الشعب ووجدانه.

وما حدث في طولكرم لم يكن مؤامرة وانما كان جريمة ايضا جريمة ارتكبناها جميعا وليس فقط هؤلاء الحفنة من المتظاهرين الذين طغت على أبصارهم وبصائرهم اشاعات روجت من ان احبتهم في السجن يتعرضون للتعذيب والضرب وسواء كان ذلك حقيقيا أم لا ، فلقد كان بين يديي هؤلاء المتظاهرين شاهد ودليل لا يقبل الدحض ولا الجدال وهو ما حصل في نابلس قبيل أيام من أحداث طولكرم المؤلمة.

وقد يكون جزء مما حدث في طولكرم قد تم تدبيره وقد يكون بعض المندسين ينشدون، للأسف تحقيق هدف سياسي على حساب دم المواطنين الأبرياء، ولكن الواقع الذي يجب أن يكون لدينا الشجاعة للاعتراف به والتعامل معه هو أن السبب الحقيقي وراء الحدثين كان التذمر الشرعي مما حصل ويحصل والقلب من أن يتكرر ذلك مستقبلا.

هل كانت تلك التظاهرات والمظاهرات ذات خلفية سياسية؟ انا اقول لا ، فلم تكن عملية السلام أو مفهوم السطلة الوطنية او الاهداف والممارسات السياسية للسلطة هي السبب .

هل كانت تلك التظاهرات والمظاهرات ضد ممارسات بعض رجال السلطة ومسؤوليها؟ انا اقول نعم والممارسات المقصودة ليست فقط الممارسات الامنية بل تلك الممارسات المالية والأخلاقية والمهنية أيضاً.

هل كانت تلك التظاهرات والمظاهرات ضد الشرطة؟ ضد أجهزة الأمن المختلفة، ضد البحرية بالذات ؟ انا أقول لا ، ولكنها كانت بلا شك ضد كافة ممارسات وتصرفات وانتهاكات بعض ضباط وأفراد أجهزة الأمن جميعها بلا استثناء.

هل تظاهر الشعب ضد أجهزة الأمن في بعدها المتعلق بحفظ الأمن العام والنظام العام والمال العام؟ انا اقول لا، بل على العكس فلقد قدم الشعب تقديره لهذا الجانب ولكن الشعب قد تظاهر ضد ممارسات بعض المسؤولين ومنهم مسؤولون في أجهزة الأمن سواء في حقل اختراع المؤامرات والتهم او الاستهتار بحقوق الانسان وحرمته او الولوغ في المال العام او الاعتداءات والانتهاكات التي تثير الغضب والقلق.

وما الذي حصل في الحوادث المماثلة التي وقعت في الماضي؟ هل تم معاقبة المسؤولين عنها؟ واذا كان ذلك قد تم فلماذا لا يعرف الشعب ذلك؟ ام هل يكتفي المسؤولون بتلك البيانات التي يصدرها البعض في تصريحات لا يقرأها أحد؟ وبصراحة أكثر فمن حقنا أن نتساءل هل فقدت السلطة الفلسطينية صلتها مع المواطنين؟ تلك الصلة اليومية التي كانت دائما رمز قوة القيادة السياسية الفلسطينية وعنوان تواصلها مع الشعب ؟ هل فقدت السلطة القدرة ، وربما الحماس ، للحديث مع جماهيرنا والاستماع لها والاستجابة لرغباتها ا لمشروعة؟

لماذا كان التلفزيون الفلسطيني يبث برامج ترفيهية وأفلاما ومسرحيات قبل وأثناء وبعد مواجهة الغضب بين المتظاهرين واخوانهم حراس الأمن في طولكرم؟ ومن هو الذي سمح لإذاعة فلسطين بتلك البيانات شبه العسكرية التي لم تعبر عن الأبعاد الحقيقية لما كان يجري في المدينة العتيدة؟

نحن نريد أن يعاقب وفق القانون "كل من يخطئ في حق هذا الوطن أو المواطنين:

أولئك الذين ادانتهم المحكمة بتهمة التعذيب

وأولئك الذين امتدت أيديهم في لحظات الغضب أو المؤامرة لتقتل أو تحرق أو تكسر أو تهين.

وكذلك أولئك الضالعون بشكل مباشر او غير مباشر في انتهاك الأموال العامة والأخلاق العامة بممارسات الوساطة والرشوة وسوء استخدام السلطة .

ولكن قبل ان تفعل السلطة ذلك وحتى تفعل ذلك فإنها يجب أن تكون المثل والمثال في العمل والاستقامة ولما كان هذا الهدف بطبيعة الأشياء غير ممكن التطبيق فإن الحساب والعقاب هو المطلوب من السلطة ومن رأسها ورئيسها الأخ ياسر عرفات بالذات حتى يطمئن هذا الشعب الى أن الهموم المشتركة لهذا الوطن سوف يتحملها الجميع ، وزراء وضباط وموظفون ومواطنون بشكل متساو.

ان أهمية ما حصل خلال الأسبوع الماضي تكمن في استثارة هممنا لاتخاذ الخطوات التي تؤكد عدم حصول مثلها في المستقبل اما اذا عدنا لما كنا كما كنا نتيجة لتبريراتنا الساذجة وغير الواقعية لما حصل فإنني ارجو من الله ان يكلأنا برحمته ويطلب بنا .

 

 

 

 

المقال 2

جريدة الحياة الجديدة

4/9/1996

 

كل ما يزرعه الإنسان !!

تحدثت في الاسبوع الماضي عن المجلس والرئيس واليوم أقول والله اعلم، ان الفردية قد أصبحت جزءاً من ترائنا الإداري والأخلاقي واننا جميعا بشكل أو بآخر، فرديون ... وإلا فأرجوكم أن تتحدوني باسم وزير فلسطيني واحد، عضو لجنة مركزية أو تنفيذية واحد، رئيس جهاز فلسطيني واحد، مسؤول فلسطيني واحد، في الحاضر أو الماضي، في الداخل أو الخارج، واحد فقط من هؤلاء قد اختار أو قبل أن يكون له نائب كفؤ يقوم بمساعدته ويتحمل بعض الأعباء عنه ويحفظ المؤسسة للوطن، متماسكة متواصلة ، فيما لو اختاره الله الى جواره أو امتدت له يد غادرة، باعتبار أن هاتين الطريقتين هما اللتان بقيتا الوسيلة الوحيدة للتغيير؟

ولعل أبلغ ما يصف هذه الحالة الجماعية المرضية ويعبر عنها هو ذلك المثل الشائع في الأوساط الفلسطينية منذ زمن طويل وقبل ظهور السلطة، والذي يقول: "ان كل ما يزرعه الأنسان يقلعه، اللهم إلا إذا زرع انسانا آخر فإنه ، أي هذا الانسان الآخر ، يقلعه".. ولقد سمعت هذا المثل في بداية حياتي العملية، للأسف من قيادي فلسطيني مرموق، ولم أعجب يومها بهذا المثل ولم أهتم به،  ربما لأني كنت لا زلت في بداية تعرفي بالحياة والبشر. وعلى تلك البراءة والسذاجة في ذلك العصر الرومانسي، غاب عن عقلي الفتي، أو ربما لم يتقبل ذلك العقل المتشرب حتى النخاع بالتميز والتفوق الفلسطيني، مجرد التفكير بان هذا المثل التافه سوف يصبح دستوراً العمل الفلسطيني في كل ابعاده السياسية والإدارية والأخلاقية ولقد جاءت معظم الممارسات الفلسطينية على كافة المستويات، برهانا على سيطرة فلسفة اياك ان تزرع حتى لا تقلع رغم أن الحاجة للقلع كانت ماسة، وامتد هذا التقليد الى كل المؤسسات الفلسطينية في الداخل والخارج حتى تلك السفارات المغرقة في البعد الجغرافي حيث حرص السفراء على أن يكون وكيلهم الفعلي، وغلابا عند غيابهم عن مقر عملهم فقط ، هو أقل الموظفين كفاءة وأكثرهم رياء حتى يضمنوا فائدة حكمة المثل الدستور ويتحاشوا خطر احتمال القلع ولو كان ذلك على حساب تماسك المؤسسة وحسن أدائها.

لماذا ساد هذا المنطق وتلك الممارسة في مجتمع يزخر بالكفاءات ويدعى التفوق؟ لماذا يتصرف كل منا في حدود مملكته الصغيرة بنفس الطريقة والأسلوب الذي ينكره على الآخرين ويتنطع لانتقاده كلما لمع بريق كاميرا تلفزيون او فتح ميكروفون اذاعة؟

ولقد استشهد أمير الشهداء ابو جهاد وانهار باستشهاده كل ذلك الجهد الشريف والمشرف الذي بذله الشهيد في طريق البناء والعمل.

واستشهد البطل ابو اياد وذهبت بذهابه كل تلك المؤسسة التي قضى عمره في بنائها درعا واملا وملاذا، ولم يبقى من الامن المركزي ما يذكر بعد القائد ابو الهول، وحين اختار الله المناضل وديع حداد الى جواره لم يختف فقط تنظيم الشهيد بل وأمواله أيضا، فإلى متى يبقى عمر المؤسسة الفلسطينية هو عمر الرجل الواحد؟ ويبقى عطاؤها هو عطاء الرجل الفرد على ما قد يكون عليه هذا العطاء من كبر وروعة؟

ومتى يمن الله سبحاته وتعالى على عباده من الفلسطينيين ببزوغ فجر الرجل الثاني؟

ان أهمية توزيع المسئولية ووجود الرجل الثاني في المؤسسات لا تقتصر فقط على تحسين الأداء ولكنها أصلا ضمانة الاستمرارية والبناء التراكمي وتنوع المساهمة وتعددها ولا ينتقص هذا من أهمية ولا جهد ولا كفاءة الرجل الأول ، اما اذا بقي الحال كما هو، وبقى دستورنا غير المكتوب هو ذلك المثل المتعلق بالزرع والقلع فمن حق الشعب الفلسطيني، بل وواجبه ايضا، ان يتساءل مثلا عما سيحصل للمال الفلسطيني اذا استقال أبو زهدي النشاشيبي؟ وان يقلق على مصير سفارتنا في روما بدون نمر حماد؟ وان يجزع على مستقبل التلفزيون الفلسطيني فيما لو فقدنا هشام مكي؟ وهل ستنهار بلدية بيت لحم اذا غاب عنها الياس فريج؟ وماذا لو اعتل ابو اللطف أو "سخن" غازي الجبالي أو لا سمح الله "رشّح" الدكتور نبيل شعث؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال 3

جريدة الحياة الجديدة

27/11/1996

 

عندما تخطئ الدولة

نحن جميعا نعرف ماذا يحدث عندما يخطئ المواطن في حق الدولة ، والدولة هنا لا تعني فقط قوانين الدولة على سبيل الحصر بل قد توسع هذا المفهوم في ظل سلطتنا الوطنية ليشمل كل وأي سوء تفاهم أو رد فعل أو ربما نظرة جارحة بحق بعض أصحاب المعالي أو "صاحب المعالي" مرورا ببعض أصحاب العطوفة ولا أدري اذا كان في دولتنا صاحب عطوفة بعد، وبعض المدراء العامين والقليل من أصحاب السيادة والحضرة من الألوية والعمداء والعقداء والمقدمين، كل بحسب أهمية الجهاز الذي يراسه أو يعمل به، وانتهاء ببعض من يضع على جنبه مسدسا، أو هو قريب من أصحاب المسدسات، أو الموقعين على الشيكات او المسهلين لدوخة أوراق التعيينات.

تكشر الدولة في وجه المخطئين من المواطنين، فإذا كانت التهمة كبيرة فإلى السجن، وأما اذا صغر الجرم فالعقاب يتراوح بين الغرامة – وهذا أهون الشرور- أو ربما كفين، وهذا أيضا وأحيانا أهون من المخفي الذي نعرف جميعا انه اعظم!

ولكن ما الذي يحدث عندما تخطئ الدولة في حق المواطن؟ الساذج منا يقول لا شيء؟

فالمواطن مخطئ هنا أيضا وأمامه، لمواجهة خطأ الدولة لا خطئه هو ، ثلاثة خيارات لا رابع لها:

أولها أن يكتب شاكيا ومتظلما للرئيس، فإذا كان في وجهه القبول وصلت، أو أوصلت،  رسالته للرئيس ويكون على أبواب حل مشكلته.

وثانيها: ان يحاول المواطن ان يقف بصلابة دفاعا عن حقه وفي وجه محاولات تحميله نتائج الخطأ الذي وقع من موظفي الدولة ، وأنا بكل الحب لا أنصح المواطنين باتباع هذا الطريق حفاظا على عقلهم وأعصابهم وربما صحتهم ..

وثالثها: ان يقوم المواطن بالاعتذار للدولة عن خطئها ويهرع لتصحيح الخطأ عن أي طريق قد يدرأ المفاسد أو يجب المنافع، للدولة بالطبع، وعليه ان يدفع واقصد هنا دفع الغرامة لا شيء آخر لا سمح الله، بالتي هي احسن ثم عليه أن "يحط وجه" على حد تعبير اهلنا في الشجاعية، للإصلاح بين الموظفين اللذين وقع الاشكال منهما وبسببهما.

ونحن مواطنين هذه الدولة لا نطالب لا سمح الله بالمساواة بيننا وبين الدولة، ولا بيننا وبين اصحاب الدولة، ولا بيننا وبين الناطقين باسم الدولة، ولكننا نسترحم هذه الدولة لتطبيق مفهوم الرحمة التي هي فوق العدل كما قال أجدادنا منذ قديم الزمن.

فماذا يفعل المواطن الذي اتبع كل الإجراءات والتعليمات التي تطلبها الدولة لإنشاء شركة تجارية وتكبد التكاليف والمصاريف ثم يواجه بأمر من نفس الدولة التي اتبع اجراءاتها وتعليماتها بإغلاق شركته؟

وأين يذهب المواطن الذي أنهى معاملات الاعفاء من الرسوم الجمركية على سيارته واستلم الاعفاء واحضر السيارة وادخلها البلاد واستعملها عدة أشهر ثم صدر قرار آخر من نفس الدولة بمصادرة سيارته لأن الاعفاء كان خطأ إداريا؟

وكيف يتصرف المواطن الذي قام بسداد رسوم تركيب الهاتف منذ سنوات ولا يستطيع اليوم الحصول على هاتف أو حتى استرداد ما دفعه؟

وهل يتلقى المواطن الذي صدمته أو صدمت سيارته احدى سيارات الدولة التي تتسابق في الشوارع تعويضا عادلا وسريعا عن الأضرار التي لحقت به وبسيارته؟

ولماذا يتوجب على المواطن أن ينتظر طويلا للحصول على حقه من الدولة بينما لا تنتظر هذه الدولة على المواطن في أداء حقها ؟

والقضايا كثيرة وقائمتها طويلة ولا تحتاج للتخلص منها سوى الضمائر الحية التي تجعل من هذا الوطن وطن لنا جميعا، وليس وطن لبعضنا على حساب بعضنا.

 

 

 

 

 

 

 

المقال4

جريدة لحياة الجديدة-رام الله

18/9/1996

 

نواب ووزراء ومحافظون وسفراء

 

في العديد من دول العالم ووفق النظام التمثيلي لتلك الدول، يسمح القانون بالجمع بين النيابة والوزارة، كما تسمح قوانين دول أخرى بالجمع بين عضوية لجنة تنظيمية لحزب ما مثل حركة فتح، وبين الوزارة ايضاً ، ولكن ان يجمع شخص ما بين عضوية المجلس التشريعي من جهة ومنصب الوزير او المحافظ لمحافظة معينة، او محافظ في وزارة الداخلية، او وكبل وزارة، وان يكون من جهة ثالثة سفيرا معتمداً للسلطة لدى دولة أخرى، هو حدث لم يظهر في أعراف او ممارسات او قوانين البشرية قديما او حديثا اللهم الا في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية.

ولربما يكون ذلك مبرراً في بلد تندر فيه الكفاءات، او تعز فيه الرجال. او قد يكون ضرورة في تجربة اثبت انه لا يمكن الاستغناء بتاتا عن هؤلاء الأشخاص،  او ربما لتقليص عدد الوظائف التي يشغلونها في المهمة الصعبة لبناء المؤسسات، او وقف الرشوات او محاربة الفساد، أو ان الحلم الفلسطيني قد يتعرض لا سمح الله للخطر اذا تنازل اي من هؤلاء عن اي من كل تلك المناصب التي نعرف جميعا بانهم يقومون بأداء مهماتها على أكمل وجه !!

في ايام سلاطين المماليك وقبلهم خلفاء بني العباس ايام غروب دولتهم، وشتان بيننا وبين ذلك العهد، كان السلطان او الخليفة "ُيقطع" إحدى الولايات او الاقاليم لأحد رجالات الدولة الذي يقوم بدوره بإعادة اقطاعها لوكيل عنه يقوم بإدارتها وجني خيراتها وايراداتها باسم ولمصلحة ذلك القابع في بغداد او القاهرة. واليوم وبعد الانعتاق من عهود الانحطاط والانطلاق في آفاق التقدم والتعليم والثقافة، وبعد حفرنا بأظافرنا في صخور المعرفة القسرية خلال خمسين عاما من الضياع في أكثر من بلد في العالم، اليوم تثبت تجربتنا القول المأثور بأنه لا يصلح آخر الامر في مجال الاقطاع والسفارات على الأقل، إلّا بما صلح به ايام خلفاء عهود الضعف .

ان لا يصدر قرار من الرئيس بإعفاء هؤلاء من مهمة السفارة وتعيين غيرهم هو امر غير مفهوم الا في نطاق طبيعة الرئيس المفرطة الحساسية في اخذ المبادرة في الاعفاء، ولكن ان يقبل هؤلاء ذلك الوضع ويستمروا في ادارة سفارتهم من خلال وكلاء لهم هو امر غير مقبول. ان بلدنا لحسن الحظ عامرة بالأشخاص القادرين والمؤهلين لخدمة الوطن في مختلف المجالات، وهذا الواقع هو نصف الحقيقة لان نصفها الاخر هو ان تلك الكفاءات بحاجة للعمل أيضا، ان هذه الحاجة للعمل قد اصبحت مشكلة وطنية تحتاج للمواجهة والعلاج قبل ان يخرج الناس بسيوفهم وراء لقمة أطفالهم على رأى سيدنا على كرم الله وجهه، وكيف ستوفر هذه الدولة العتيدة فرص العمل لبعضنا اذا كان الآخر يحتكرها او يحتكر ثلاثا منها ... على الاقل ؟

عودوا الى سفاراتكم او استقيلوا منها يرحمكم الله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال5

جريدة الحياة الجديدة / رام الله

الأربعاء 19/6/1996

 

لماذا الوزارة ... لماذا الوزراء ؟

ربما كان الشيء الوحيد الذي اتفق عليه أعداء الرئيس ياسر عرفات من جهة وانصاره ومحبيه من جهة أخرى هو الاعتراف المشترك بأنه صاحب المسؤولية الأولي والمرجعية الوحيدة وأنه الباب الوحيد لتنفيذ أي أمر أو إنجاز أية مهمة. وقد اعتبر معسكر أعداء الرئيس هذه الحقيقة انعكاساً للرغبة في التفرد والتميز، فيما اعتبر ذلك من جانب معسكر انصار الرئيس ومريديه، كما عبّرت الانتخابات الأخيرة، سبباً وليس نتيجة من أسباب التفاف الشعب الفلسطيني حوله وقناعتهم به وبجدارته وقدرته على قياداتهم خاصة عبر المفاصل الحاسمة التي مرت بها مسيرتهم.

ويعرف أولئك الذين هم على تماس مباشر ومتواصل مع الرئيس عرفات بأنه لا يعتبر قضية فلسطين مجرد قضية سياسية أو مهمة تحرير وطني فحسب بل انها في ضميره الكامن حالة اتصال عضوي وعشق دائم وحلول كامل بين ذاته وبين كل ما يمت لفلسطين من شعب وأرض وشجر وثمر وأطفال وشرطة ومشاريع وشوارع وجسور وميناء وسفارات ومطار ومباني بحيث لا يأمن فيها لغيره ولا يثق إلا برعايته وإشرافه، وإذا كان هذا مبرراً وممكناً بل ومطلوباً في الماضي أيام كانت فلسطين ثورة فإنه اليوم، ونتيجة لبدء البناء الحقيقي لمؤسسات الدولة وزيادة الأعباء الملقاة على عاهل الرئيس والرئاسة، غير ممكن أو مطلوب.

لماذا  نريد نحن الوزارة ونريد الوزراء؟

نرديها ونريدهم ضمن المفاهيم التي بررت تميّز دور الرئيس والتي هي ضمن فهم العلاقة الفردية بين المسؤولية من جهة والصلاحيات من جهة أخرى لا العلاقة النفعية بين المنصب من جهة والامتيازات من جهة أخرى.

نريدها ونريدهم حتى لا يضطر رئيس الدولة للذهاب شخصياً أربع مرات في شهر واحد إلى موقع بناء المطار الذي كان العمل يجري فيه أو ربما لا يجري منذ أكثر من ستة أشهر دون تقدم.

نريدها ونريدهم حتى لا يضطر أعلى مسؤول في الدولة أن يهرع للاتصال بالمهندسين المسؤولين عن بناء جسر وادي غزة كلما سقطت قطرة مطر خوفاً من أن يسقط معها الجسر.

نريدها ونريدهم وزراء عمل على الأرض وليس وزراء مواسم ومكاسب وتصريحات صحفية وجولات خارجية لا تعكس كلها حقيقة ولا تبني حجراً.

نريدها وزارة تعمل وتبني وتقاسم هذا الشعب المقهور والمنهك مشاكله ومصاعب حياته وتعمل على تخفيفها إذا عجزت، وهذا متوقع ومفهوم في المرحلة الحالية، عن حلها والتغلب عليها.

نريدها وزارة تعمل مع الرئيس لا وزارة عند الرئيس، وزارة تساعد الرئيس لا وزارة تنتظر مساعدة الرئيس، وزارة تضم وزراء قادرين ومؤهلين على الأقل على الدفاع عن انفسهم وبرامجهم وعملهم دون الاختباء، لدفع اتهام أو اتقاء نقد، خلف كوفية الرئيس.

إن الظروف التي يمر بها الشعب الفلسطيني اليوم تمثل اصعب واحلك المراحل التي مر بها، سياسياً واقتصادياً، نتيجة للممارسات والسياسات الإسرائيلية التي يعرفها الجميع، وهناك إمكانية أن تسوء الأمور أكثر إذا نفذ نتنياهو وعوده الانتخابية. أن الرد على هذا الموقف المغرق في الصعوبة يكون بالمزيد من العمل وهذا ممكن من أجل تنفيذ خطة عمل مدروسة، وهذا ممكن أيضاً، من خلال أناس قادرين على العمل... وهذا ما نأمل من الوزارة ونتوخى في الوزراء!!
المقال 6

جريدة الحياة الجديدة / رام الله

30/10/1996

 

إن للخليل شعباً يحميها

قبل سفر الرئيس ياسر عرفات فجر أمس الأول في جولته في أوروبا، اتصل بأعضاء الوفد المفاوض ودعاهم الى اجتماع استمر حتى الساعة السابعة صباحاً غادر بعدها الرئيس. وكان الرئيس قد اجتمع في الليلة السابقة بعدد من أعضاء الوفد حتى الساعة الثالثة والنصف، بينما كان أبو مازن مع عدد من الوفد يجتمع بالإسرائيليين  حتى الساعة السابعة صباحاً.

كانت المفاوضات مستمرة والاجتماعات متوالية في غزة للجان الفلسطينية المسؤولة عن سير المفاوضات. وخلال أيام قليلة استقبل الرئيس عرفات السيد دينيس روس عدة مرات، وتلقى عدة مكالمات من الوزير كريستوفر والرئيس كلينتون والرئيس مبارك والملك حسين وغيرهم من الرؤساء ورؤساء الوزارات والمسؤولين. ووفق مناشدة  من الرئيس كلينتون للرئيس عرفات بأن يبذل كل الجهد الممكن للاستمرار في عملية التفاوض، أعطى الرئيس تعليمات واضحة للوفد الفلسطيني بمواصلة العمل والجهد وممارسة المرونة والتعقل حتى يمكن التوصل الى اتفاق حول مدينة الخليل، الأمر الذي كان قد تم في الماضي التفاوض حوله والتوافق عليه قبل أن يرفضه الجانب الإسرائيلي مرة أخرى.

وفي الحقيقة فان الوفد الفلسطيني المفاوض جميعه لم يوفر جهداً أو يستبعد كلمة أو يستصغر رأياً في سبيل التوصل الى أرضية تسمح باستمرار عملية السلام ... بداية بتنفيذ اتفاق الخليل.

وحرصاً على عدم إذاعة اسرار أو الخوض في مواضيع لا زال النقاش والتفاوض يدور حولها فاني أقول أن التفسير الوحيد لعدم تحقيق تقدم حتى الآن هو ببساطة شديدة عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها نتانياهو بالذات في الاستمرار بعملية السلام. وانني أطلب من الرئيس عرفات أن يقول ذلك بصراحة تامة وأن يبدأ بالتالي دراسة ذلك الاحتمال وتأثيره على حياة مليونين من الفلسطينيين يغلق نتانياهو الان كل الطرق أمامهم وأمام لقمة عيشهم وحريتهم وتنقلهم.

كيف يستطيع الوفد الفلسطيني المفاوض  ان يكون مرناً أكثر مما كان؟ وكيف يمكن للرئيس عرفات أن يحثّهم على ذلك بأكثر مما فعل؟ وما هو الوقت الذي يمكن أن يقضيه أبو مازن وهو يبحث مع زملائه من أعضاء الوفد عن طريق لا يلبث الوفد الإسرائيلي أن يبني أمامه سداً متيناً من الذرائع والأعذار؟ ولماذا نحرص نحن على استمرار عملية السلام بأي اتفاق أو مبدأ أو مفهوم؟

قبل أن نبحث في تنفيذ اتفاق الخليل يجب أن نبحث عمّا اذا كان نتنياهو يريد السلام، ان كل شعبنا الفلسطيني ونصف الشعب الإسرائيلي لا يجيب بالإيجاب على هذا التساؤل. هذا ما يجب أن يضعه الدكتور صائب عريقات وحسن عصفور نصب أعينهما وهما يفجّران رئتيهما دفاعاً عن قضية السلام التي فقد رئيس الوزراء نتنياهو منذ زمن طويل ايمانه بها.

نحن نفضّل أن تبقى الخليل، نحن شعب فلسطين بما فينا أهل الخليل، تحت الاحتلال على أن تقسّم بيننا وبين الاحتلال.

ونحن نريد أن ينشغل رئيسنا ومسؤولينا بما يفيد شعبنا من أمور على أن  يضيّعوا وقتهم ووقتنا في حديث لا طائل من ورائه ولا من أمامه، وكما أن للكعبة المشرّفة ربّاً يحميها فان للخليل أيضاً شعباً فلسطينياً يحميها!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال 7

جريدة الحياة الجديدة / رام الله

الأربعاء 9/10/1996

 

عن الرجال ... والسلاح

كتبت في هذه الزاوية منذ عدة أسابيع مقالاً عنوانه "المرافقون" تعرضت فيه لظاهرة كثرة المرافقين والمواكب والسلاح، ومنذ كتبت ذلك المقال حتى الآن ازدادت الظاهرة وضوحاً وازداد عدد المرافقين وسلاحهم ومواكب الاستعراضات والسيارات. ونظراً لهذه النتائج المشجعة!! فإنني أكتب التالي:

منذ أسبوعين وفي مدينة رام الله توقفت بسيارتي خلف سيارة تقف في منتصف شارع فرعي ولكنه مطروق، والسائق يتحدث مع شخص منحني فوق زجاج السيارة المفتوح وعلى خصره مسدس كبير ساعد انحناء الرجل على بروز المسدس بشكل لا يستطيع فيه أحد من الشارع الاّ أن يلاحظه. ونظراً لأني تعلمت حكمة عدم مناقشة رجل يحمل السلاح، خاصة اذا كان في لباس مدني، فقد تشاغلت بفتح راديو سيارتي حتى ينهي الرجل حديثه. ولكن سائق السيارة التي توقفت خلفي لم يكن يملك تلك الحكمة وكاد يتسبب في مشكل كبير حين أطلق بوق سيارته في محاولة احتجاج بسيطة وقانا الله سبحانه وتعالى شرّها اللهم الاّ من نظرة استهزائيه استعلائية من الرجل صاحب المسدس.

 وفي غزة منذ أيام ذهبت لشراء بعض الخضروات وكنت أتفحص المعروضات عندما لاحظت أن الرجل الآخر في المحل والذي أيضاً يشتري فاكهة وخضار يحمل في يده سلاحاً كبيراً مما لا يتسع على الخصر. كان البائع حكيماً هذه المرة اذ أنه لم يجادل الرجل فيما أعتقد بالسعر أو ربما لم يطلب منه سعراً بل تبرع بالبضاعة كما يتبرع باقي المواطنين بالحديد والاسمنت والمفروشات.

إلى متى سوف تستمر ظاهرة حمل السلاح من قيل رجال يلبسون اللباس المدني؟ ولماذا لا يمكنهم ستر هذا السلاح بقميص أو سترة؟ إن مظهر مدننا يبدو وكأنه مشهد من فيلم كاوبوي أمريكي يتجول فيه المواطنون وكل منهم يحمل سلاحاً ظاهراً، بعضه كبير يحمل على الكتف أو الرقبة أو مشهر باليد، وبعضه صغير يحمل تحت الحزام أو ضمن الحزام أو فوق الحزام على الجانب الأيمن أو الأيسر أو ربما في الخلف وغالباً ما يكون في الأمام حتى يعطي التأثير المطلوب.

ونحن لسنا ضد حمل السلاح لمن تلزم مهمته ذلك، ولكن ذلك يجب أن يرتبط بشرطين لا يمكن التساهل معهما، وهو إما أولا أن يكون سلاحاً ظاهراً يحمله رجال يرتدون اللباس العسكري أو لباس الشرطة الرسمي، وثانيها سلاحاً مخفياً يحمله الرجال المدنيون الذين يعملون في الأجهزة الأمنية أو يقومون بواجبهم في حماية الشخصيات العامة. وعلاج ذلك ليس صعباً بل هو ممكن وممارس أيضاً، فمرافقو الأخت حنان عشراوي مثلاً يرتدون سترات تخفي سلاحهم، وبالمناسبة فقد قام هؤلاء برجولة وشهامة بحماية الوزيرة في المظاهرات الأخيرة وتحملوا الضرب من الجنود الإسرائيليين وذهبت هي بالسمعة والصيت. والأخوة الذين يقومون بحماية رئيس الدولة يلبسون لباساً عسكرياً يخولهم حمل السلاح الظاهر للقيام بمهمتهم الهامة، وحين يضطر هؤلاء للظهور حول الرئيس بلباس مدني فهم يحملون سلاحهم مخفيّاً تحت لباسهم المدني. وقد اطلعت في الأسبوع الماضي على توجيه أصدره الأخ محمد دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة يحظّر على منتسبي الجهاز على مختلف رتبهم حمل السلاح الظاهر في الأماكن العامة.

الحل إذن ممكن ولكن يجب تعميمه ومراقبة تنفيذه بدقة. وتبقى الوسيلة هي الأهم، خاصة لنا نحن المواطنين من الدرجة الثانية الذين لا نحمل السلاح. وإذا كانت الوسيلة تتطلب تدخل السيد الرئيس فنحن نناشده أن يعطي تعليماته لمسؤولي الأجهزة الأمنية الذين يلتقي بهم تقريباً يوميّاً، وللوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات وغيرهم من المسؤولين الذين يلتقيهم تقريباً كل أسبوع.

وإذا كان المطلوب أسهل من ذلك فنحن، لا زلنا الذين لا نحمل سلاحاً، نتضرع لهؤلاء جميعهم لرفع هذا الكابوس عنّا.

وإذا كان الأمر أسهل وأسهل فنحن نرجو الأخوة الذين يحملون السلاح الظاهر في لباس مدني أن يستروا هذا السلاح ويسترونا.

وإذا كان ذلك كله غير ممكن فإننا، لا زلنا ذلك القطاع الأعزل من الشعب، نطلب تسليحنا عسى أن ينفعنا مبدأ الردع المتبادل الذي نفع أيام مواجهة القوتين الأعظم.

أمّا إذا كان لا هذا ولا ذاك،  فلا حول ولا قوة إلاّ بالله، وأطلب من المواطنين حفاظاً على صحتهم مراعاة الحكمة في التعامل مع هؤلاء المسلحين حتى يفتح الله بيننا وبينهم بالحق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال 8     

جريدة الحياة الجديدة

28/8/1996

حوار الشرعيتين

أن يمسك الرئيس ، أي رئيس، بمقاليد الأمور ويخضع القرار والتنفيذ لمركزية شديدة هو أمر خاضع لظروف الزمان والمكان، وأن يطالب المجلس التشريعي، أي مجلس تشريعي، بدوره في مراقبة أداء السلطة ومناقشة ممارساتها هو أيضا امر خاضع لظروف الزمان والمكان، في الحالة الفلسطينية بالذات فإن الاشتباك حول مركزية سلطات الرئيس وولاية المجلس الجديد هو حوار عمّا إذا كان أيّ من هذين العاملين، الزمان والمكان، قد تغيّر ، فالبعض خاصة في مؤسسة الرئاسة، يرى أنه رغم تغير المكان والزمان فإن تحديات المكان والزمان الجديدين لازالت تفرض مركزية قيادة الدولة، وبمعنى آخر، أنه طالما لم تستكمل المهمة بعد فإن الثورة مستمرة بنفس المواصفات والشروط التي ضمنت في الماضي لتلك الثورة الاستمرار ومكنّتها من تحقيق بعض الانجاز بما في ذلك سلطة الرئيس المطلقة من خلال مركزية القرار. والبعض الآخر في المجلس التشريعي يرى أنه اذا كان لا ينكر تغير الاحكام بتغير الزمان فإن التغيير يصبح أكثر ضرورة اذا تغير المكان ايضا ... وانه اذا كان صحيحا ان المهمة لم تنته بعد فإنه قد يكون من الأصعب الانتهاء منها بالاستمرار في تطبيق الاسلوب القديم الذي لا ينكر احد انه اذا كان صالحا لذلك المكان في ذلك الزمان فإن هناك شكا في انه يصلح لهذا المكان في هذا الزمان .

الموضوع هنا هو قضية حوار وليس مجال تنافس لأن القانون قد حدد بمنتهى الصراحة والوضوح الطريق الى الرئاسة وسلطاتها، وحدد بنفس الصراحة والوضوح الطريق الى المجلس التشريعي وولايته، والرئيس ياسر عرفات بصفته رئيس دولة فلسطين، يرأس هذا الوطن ببساطة شديدة نتيجة لفوزه بثقة الشعب الفلسطيني في انتخابات الرئاسة وليس نتيجة لأي عامل آخر، بما في ذلك قياداته التاريخية للنضال الفلسطيني على شرف هذه المهمة وقداستها. ان هذا يعني ببساطة شديدة ايضا ان التفويض الجديد الذي أعطاه الشعب الفلسطيني للرئيس هو تفويض نابع من ظروف الزمان والمكان الجديدين وأن هذا التفويض يعكس رغبة الشعب في الت