الدعوة لنبذ اتفاق أوسلو
إسقاط المسقوط وإلغاء الملغي
مروان كنفاني
جريدة العرب اللندنية 17/9/2019
تثور اقتراحات فلسطينية في الفترة لأخيرة تدعو لإسقاط إتفاق أوسلو في عامه الـ 23. فبالرغم من أن الرئيس عباس لم يذكر إتفاق أوسلو إلاّ أنه هدد بإلغاء كل الاتفاقات والترتيبات بين السلطة الوطنية وإسرائيل إذا ما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بفرض السيادة الإسرائيلية على وادي الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية. واخنارت حركة حماس في تظاهرات أنصارها الأسبوعية على الحدود الشمالية لقطاع غزة شعار "الانتهاء من أوسلو وآثارها وتبعاتها" وهي عمليّاَ تقصد بند التعاون الأمني بين غريمتها، السلطة الوطنية، وإسرائيل. وساهم عدد من رؤساء أو المتحدثين الرسميين لفصائل فلسطينية في الدعوة لإنهاء اتفاق أوسلو.
هل هناك واقعيّاَ وعمليّاَ إتفاق اسمه أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
عندما تم التوقيع على اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض في واشنطن في 13 سبتمر من عام 1993، كانت هناك مواضيع عديدة لم يتم الاتفاق عليها، ولكن الطرفين المتعاقدين، باقتراح وضغط أمريكي ودولي، قد وافقا على تركها لمفاوضات لاحقة بين الطرفين. فيما عدا تسليم مدينة الخليل للسلطة الوطنية لم يتم اتفاق أو بحث أي موضوع مؤجل حتى الآن. كان اغتيال اسحق رابين، وتردد شيمون بيريز المرشح لخلافته في استكمال بنود الإتفاق، وتفسّخ حزب العمل ذاته لأول مرة في تاريخه، كل هذه العوامل تسببت في فشلهم في الإنتخابات البرلمانية الإسرائلية وبالتالي استلم الليكود المتطرف الحكم حتى الآن، وليس هناك ضرورة لشرح موقف حزب الليكود والمتطرفين الإسرائيليين من عملية السلام ومن الفلسطينيين بشكل عام.
لقد تم فعليّاَ إلغاء إتفاق أوسلو من قبل الإسرائيليين منذ عام 1995 بعد إغتيال راعيها الإسرائيلي رابين وانتخاب حزب الليكود حيث تجمد العمل التفاوضي حول القضايا المؤجلة. قامت السلطة الفلسطينية بدورها بقيادة الرئيس الشهيد ياسر عرفات برفض النسخة الإسرائلية من اتفاق أوسلو في عام 2000، عن طريق القيام بالإنتفاضة الفلسطينية العارمة الذي دفع الرئيس عرفات حياته ثمناَ لها، وكذلك فعلت حركة حماس بمشاركتها في الإنتفاضة. وبالرغم من ذلك فقد تسبب التوصل لاتفاق أوسلو المنقوص إلى نتائج مدوّية في الجانب الإسرائيلي، حيث تمت أول وآخر الاغتيالات الإسرائلية الإسرائلية التي طالت أعلى سلطة سياسية في إسرائيل، كما تم عقاب حزب العمل الإسرائيلي، الذي بنى وقاد إسرائيل منذ قيامها، بالحرمان من العودة لقيادة إسرائيل حتى تاريخه.
اتفاق أوسلو لم ينفذ ولم يستكمل. وحكومات الليكود المتتابعة رفضت إنجاز الإتفاق والتفاوض حول القضايا المؤجلة، ودعمت الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي. وابتدأت إسرائيل ببناء مستوطنات في الضفة الغربية وفي مدينة القدس وضواحيها، وداومت على اعتقال الفلسطينيين وسجنهم أو إبعادهم، وتطاولت على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين، بينما كان القطبان الفلسطينيان، فتح وحماس، يتصارعان على الحكم والسلطة، دون أية اعنراض من الدولة الراعية للإتفاق أوقرارات عقابية من الأمم المتحدة. الآن وبعد 23 عاماَ فإن إتفاق أوسلو ليس له وجود. وإعلان الفلسطينيين أو الإسرائيليين سقوطه أو إلغائه ليس له أي معنى أو جدوى، ذلك يتطلب أن يكون له بديل، أو أن يكون لنا كفلسطينيين بديل لاسترجاع حقوقنا المشروعة. على الأمرين فإن كل ذلك يجب أن يتأتى بعد اتفاق الفلسطينيين على برنامج سياسي واحد ويًسقطوا إنقسامهم ويتحدوا كشعب واحد وقيادة واحدة.
ما الذي يعنيه إلغاء اتفاق أوسلو المنقوص؟ وما الذي سيحصل إذا أعلن الفلسطينيون أو الإسرائيليون إسقاطهم أو إلغاءهم من جانب واحد لهذا الإتفاق. بالنسبة للإلغاء الإسرائيلي فإن النتيجة واضحة تتمثّل في استمرار سريان الأمر الواقع الحالي. استمرار إدارة فلسطينية أو إدارتين لحكم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفق ما يجري الوضع الحالي، وقد تقوم إسرائيل بإحياء روابط القرى لتولي الإحتياجات اليومية للفلسطينيين، واستمرار ما تقوم به إسرائيل اليوم من بناء المستوطنات وتهويد نهائي للقدس ومصادرة الأراضي وقتل الفلسطينيين واعتقالهم وسجنهم.
ولكن بالنسبة للفلسطينيين، فإن الإلغاء الفلسطيني سيكون له نتائج أكثر تعقيداَ وخطورة لقضيتهم التي أتعبنهم وأتعبوها خلال أكثر من قرن مضى. إسقاط اتفاق أوسلو من قبل الفلسطينيين يتطلب أن يكون له بديل، أو مخطط يهدف لمفاوضات جديدة برعاية دولية لاستكمال نواقص اتفاق أوسلو التي تم الأتفاق السابق عليها.
هل ستعلن السلطة الوطنية، وليس هناك ضرورة لتشارك حماس في هذه المهمة لأن حماس عارضت الإتفاق منذ ولادته، إلغاء اتفاق أوسلو من جانب واحد مترافق مع إعلانها والفصائل الفلسطينية الحرب على إسرائيل؟
هل يعني الإلغاء الفلسطيني إعادة تسليم رام الله وغزة وما بينهما من مدن وقرى للإحتلال الإسرائيلي؟
هل اإلغاء الإتفاق يعني وقف التبادل الأمني ووقف المفاوضات غير المباشرة لتحقيق التهدئة وإغلاق الممرات البشرية والتجارية مع إسرائيل؟
هل ستعود القيادات الفتحاوية إلى تونس بعد ما جرّبت عمان وبيروت وتونس؟ وأين ستلجأ قيادات حماس وتتوزع القيادات الفلسطينية؟
وهل ستلغى الحكومتين، حكومة السلطة وحكومة غزة، ويطرد الموظفين؟ وتغلق السفارات ويخسر السفراء وظائفهم؟
وماذا نفعل بالضباط والجنود والسلاح والصواريخ والشرطة والمباحث وابطال الإقصى والقسّام؟
هل إلغاء اتفاق أوسلو فكرة مًمكنة أو مفيدة اليوم؟ أم أنها تفيد إسرائيل واحتلالها وأهدافها؟
سوف يتحتم على الفلسطينيين أن يقرروا برنامج عمل لمواجهة الخطوتين القادمتين خلال أسابيع قليلة والمتمثلة بالمبادرة الأمريكية لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإعلان إسرائيل عن ضم وادي الأردن والمستوطنات الإسرائيلية القائمة على اراضي الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية. ولكن الفلسطينيين غير مؤهلين، حتى تاريخه، للتوصل لإتفاق موحّد، ليس تجاه مخططات الإسرائليين القدمة فحسب بل وفيما يتعلق بتوحيد أرضهم والمشاركة في حكمها.
مواجهة الأخطار التي ستنهمر على الفلسطينيين خلال الأسابيع القادمة لن تتم بالصوارخ والمظاهرات والتصريحات والبيانات، ولكنها تحتاج عمل فلسطيني وعربي لتحشيد رأي عام دولي مدين لكل المبادرات واإلاعلانات والمخططات التي تعارض قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. إدانات جماعية على غرار تآلف الدول الأوروبية الأربع في إدانة إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي المرشح نتانياهو من أنه سيضم وادي الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية. وقرارات القمة الطارئة للدول الإسلامية التي انعقدت في الأسبوع الماضي. وهناك المزيد المزيد من الدول الأمريكية والأوروبية والآسيوية والأفريقية الراغبة في المشاركة في مثل تلك البيانات الجماعية المؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وإذا كان في مقدور دول بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إصدار بيان واضح ورادع ضد إعلان نتانياهو فإن معظم دول العالم جديرة بمثل هذه المواقف. . هذا هو العامل الأكبر في إفشال تلك المخططات الخبيثة، على الأقل فيما يتعلق بالولايات المتحدة وتاثير المواقف الجماعية لدول العالم على سياساتها