الطريق للانتخابات الفلسطينية
صعب ولكنه ممكن
مروان كنفاني صحيفة العرب اللندنية 9/10/2019
يدرك الشعب الفلسطيني وقياداته أن المطلب الأهم والهدف الواجب هو العمل لاختيار قيادة جديدة وشرعية تقوم بمسؤولية العمل من أجل تحقيق الاهداف الوطنية الشرعية التي ضحى الشعب الفلسطيني من أجل تحقيقها خلال اكثر من قرن من الزمن. وخلال الشهر المنصرم من هذا العام طرحت منظمات فلسطينية أساسية مشروع مبادرة تحمل توصيات وخطوات لتحقيق هدف المصالحة وفق الاتفاقات السابقة والفاشلة للفصائل الفلسطينية. أطلق الرئيس عباس في نفس الأسبوع وفي خطابه في احتفالات بدء دورة الأمم المتحدة تصوّراَ أكثر وضوحاَ وتركيزاَ يتمثّل في الخطو مباشرة لانتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية.
تبدو فكرة الانتخابات العامة الفلسطينية صعبة التحقيق في ظل التشرذم الفلسطيني جغرافياَ وسياسيّاَ، والإنقسامات التي ترسّخت، والدماء التي سفكت، والتحالفات التي أصبحت واقعاَ يصعب تجاوزه أو إصلاحه. انعكس ذلك كله على رد فعل الشعب الفلسطينيي المتشكك بمواقف الفصائل الفلسطينية واهتمامها بإعادة شرعية اختيار القيادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني صاحب الولاية الوحيد في هذا الصدد. يصعب على الشعب الفلسطيني تقبل مبدأ المصالحة بديلاَ للإنتخابات العامة لأنه لا يقود لإعادة شرعية الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته، حيث أن المصالحة تهدف لإعادة توزيع السلطة وتقاسم الشعب والأرض بين الفصائل الفلسطينية والأحزاب التي لم ينتخبها أو يكلفها أو يدعمها الشعب الفلسطيني.
بالرغم من ذلك فإن هذا الحراك الفصائلي، البديل للحراك الشعبي ،قد يأخذ الشعب الفلسطيني للعب دور أكبر في عملية انتخابية عامة قد تكون الأولى منذ عام 2006. ويتحتم الاستمرار في دعم سياسة التعاون هذه للتوصل لصيغة يكون فيها الشعب الفلسطيني هو الطرف الوحيد الذي يملك الشرعية لاختيار قيادته الجديدة. إن التجارب التي تدور حولنا في المنطقة العربية أثبتت نجاعة التوصل لانتخابات عامة سلمية ونزيهه عن طريق نزع السلطة عمّن استولى عليها، وتسليمها لمجلس سيادي مستقل ومؤهل، يشكّل حكومة لإدارة البلاد ويهيئ لانتخابات رئاسية وتشريعية تتولى السلطة الشرعية. ذلك لأنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة بوجود وتحكّم القوى التي انتزعت السلطة من أصحابها الشرعيين.
يعمد العديد من المسؤولين وممثلي الفصائل وحتى المفكرين والكتّاب إلى طرح اسئلة تعجيزية حول صعوبة أو ربما إستحالة تحقيق انتخابية فلسطينية في ظل الأوضاع السائدة، الفلسطينية والإقليمية والعربية والدولية، وهناك واقعيّاَ تخوفات شرعية يجب تجنبها وتجاوزها، على أنها مشاكل يتحتم علينا التغلب عليها وليست أسباب يسُتند عليها لرفض مبدأ الإنتخابات العامة والتمسك بالوضع الراهن.
تضم الأسئلة التي تُثار في هذا الصدد موضوع القانون الإنتخابي المفروض أن يُصدر من المجلس التشريعي في كل انتخابات عامة. وليس هناك اليوم مجلس تشريعي فلسطيني شرعي؟
وهل سيتمكن سكان القدس العرب من المشاركة بالانتخاب؟
من هم الفلسطينيون الذين سيشاركوا في الإنتخاب؟ وأين هم؟
وهل سيشارك اللاجئين في بلاد المهجر في الانتخابات؟
وما هو دور منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية؟
يندر في التاريخ القديم والحديث أن حققت دولة استقلالها الناجز والكامل دفعة واحدة، اللهم إلاّ إذاستطاعت بالقوة المجرّدة أن تحقق ذلك، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في الحالة الفلسطينية في وضعها الحالي. فماذا سيفعل الفلسطينيون؟
هل يمكن للفلسطينين اليوم أن يؤسسوا لوضع مستقبلي قائم على الإختيار الحر للشعب الفلسطيني الذي يعيش على أرض فلسطين الحالية، نيابة عن الشعب الفلسطيني المنتشر في كل أنحاء العالم. ويحتفظ هذا المبدأ المقدّس بحق الشعب الفلسطيني، فيما يملكه اليوم أو ما يمكن أن يحققه بنضاله من أرض فلسطينية مستقلة في المستقبل، في اختيار ومحاسبة القيادة التي تحكمه في تداول سلمي. هل تحقيق ذلك هو إضافة تجميلية للنظام السياسي الفلسطيني أو ضرورة ملحّة لتطوّر النظام الفلسطيني السياسي أو ربما وجود النظام السياسي الفلسطيني بحد ذاته؟
الوضع الراهن الفلسطيني والإقليمي والدولي لا يسمح للفلسطينيين في كل بلاد تواجدهم، بما في ذلك بعض المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، أن يتمتعوا بحق المشاركة في إنتخابات فلسطينية. كما أن الدول، العربية والأجنبية، المستضيفة للاجئين الفلسطينيين منذ سبعين عاماَ لن تسمح لبعض مقيميها بالإنتخاب في دولة أخرى إسمها فلسطين. كما أنها قد توقف أو تخفف بعض التسهيلات والحقوق التي يستفيد منها اللاجئين الفلسطينيين على أرضها. وحتى لو أمكن تجاوز كل العقبات فكيف يمكن أن يترشح فلسطيني من الخارج لمنصب في المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله؟ هل سوف يُسمح للفلسطينيين في الخارج بحق الإنتخاب ويمنع عنهم حق الترشّح؟
نستذكر اليوم جميعاَ أن مثل هذه التخوفات، التي انقلبت عند البعض إلى اتهامات، قد ثارت منذ عام 1993 بتوقيع الفلسطينيين اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي. واليوم وبعد أكثر من ستة وعشرين عاماً على ذلك التاريخ هل حقيقة انقطع التواصل بين فلسطينيي ما تبقى من فلسطين وفلسطينيي فلسطين عام 1948؟ هل تنازل الفلسطينيون عن القدس؟ واللاجئين؟ وحق العودة؟ أليست فلسطين هي الحلم المقدّس للفلسطينيين. ليست السلطة الوطنية الفلسطينية هي الهدف النهائي للفلسطينيين وإنما هي الأمل في أن تتمكّن من إسترجاع فلسطين وتحرير القدس. إن الإنتخابات المنشودة اليوم هي الأدات الوحيدة التي قد تتمكّن من تحقيق أهدافنا.
هل ستحمل الفصائل الفلسطينية شرف إيصال الشعب الفلسطيني إلى وضع فلسطيني شرعي مدعوم من الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني؟ أم أنها، وعلى رأسها حركتي فتح وحماس، ستثبت الوضع السياسي الراهن الذي يعاني الشعب الفلسطيني منه ومن الإحتلال الإسرائيلي الأمرّين.
يقف العالم اليوم بانتظار ما سيفعله الفلسطينيون وقياداتهم لرفع الظلم والقهر عنهم. والعالم يسمع ويرى، ويؤيد ما هو ممكن من قراراتنا. أوقف الموقف الأوروبي أحلام نتانياهو من تهويد غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية. وتدعم الأمم المتحدة شعبنا في تحقيق مطالبه الشرعية. وسوف يؤيدنا العالم في جهدنا لإجراء انتخابات عامة تضمن تداول السلطة. لقد مضى عهد الشعارات والتهديد التي لا تخيف أحد من حولنا، ولن تعطي إسرائيل أي مكسب ملموس لأصحاب المقاومة ولا لأصحاب التفاوض وهما منقسمين متعادين متحالف كل منها في الخلافات الإقليمية لطرف ضد طرف.
قد يكون التوصل لإجراء انتخابات نزيهة تقودنا لقيادة فلسطينية شرعية صعباَ ومعقّدا، ولكنه ممكن. يحتاج فقط لنوايا حسنة وعمل صادق مشترك، والتخلي عن الانغلاق على التمسك بالسياسات والأهداف التي تضع الفصائل الفلسطينية ومصالحها فوق حقوق الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية.