صحيفة العرب اللندنية
29/9/2019
مروان كنفاني
المبادرة الفصائلية الفلسطينية الجديدة القديمة
منذ أيام قليلة تقدمت بعض الفصائل الفلسطينية بورقة مشتركة حول قيادة فلسطينية جديدة وجماعية تتآلف مع التطورات التي يجابها العمل الفلسطيني. وقد قوبلت الورقة المشروع باهتمام متواضع من قبل المواطنين الفلسطينيين والجمعيات والنقابات والجمعيات العاملة في هذا المجال. ومن الطبيعي أن لا تعلق السلطة الوطنية الفلسطينية بالرفض او القبول باعتبار انها، السلطة الوطنية الفلسطينية هي المقصود بالتغيير، ولكن الأمر الذي يمكن أن يكون قد دفن هذه المبادرة نهائيّاَ هو عدم اهتمام أو تعليق أو إبداء الرأي، حتى وقتنا الحاضر، على الورقة الفصائلية من قبل التنظيم الأكبر في الساحة الفلسطينية، فتح والسلطة الوطنية.
تضمنت الورقة المشروع تكراراَ للعودة للاجتماعات الفصائلية وقراراتها منذ عام 2008 وضرورة المصالحة بين المنظمات الفلسطينية المتصارعة وإعادة الحياة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومشاركة الفصائل الفلسطينية في القيادة الجديدة والتمسّك بالثوابت الفلسطينية ورفض الإملاءات الأمريكية والمخالفات الإسرائلية. بدت المبادرة الفصائلية الثمانية الأخيرة على أنها صك تقاسم بين الفصائل للشعب والأرض الفلسطينية وحكوماته وحرياته وأمواله بحيث أن موضوع واحد لم تتطرق له الورقة المشتركة وهو دور الشعب الفلسطيني صاحب الشرعية والولاية الوحيد في المعادلة في مهمة اختيار قيادة شرعية فلسطينية منتخبة جديدة.
يرى معظم المتابعون والمراقبون للتطورات التي تمر بها الفصائل الفلسطيني أن مثل هذه المحاولات قد أصبحت سمة العمل السياسي الفصائلي، على الأقل في الفترة الأخيرة التي استمرت خلال الإثني عشر عاماَ الأخيرة، والتي لم نحقق نجاحا ولا تقدماَ في المطلب الأساسي للشعب الفلسطيني في إعادة الوحدة للشعب الفلسطيني والحفاظ على ما تبقى له من أرض فلسطينية، وأن هذه المحاولات، على أهميتها، ليست جزء من اهتمام ومصداقية حقيقيين للفصائل الفلسطينية بقدر ما هي وسيلة للخروج من المأزق الحالي الذي يعاني منه أصحاب المقاومة وأصحاب السياسة.
يثير هذا الحراك الفلسطيني الجديد القديم تساؤلات هامة ومعقّدة، أولها أن الرئيس عباس وحركة فتح لم توافق على المبادرة الفصائلية. وأن كافة الاتفاقات السابقة التي أدرجتها المبادرة الفصائلية الجديدة كانت قد صدرت بموافقة الفصائل الفلسطينية بلا استثناء منذ سنوات طويلة، ولم يتم تنفيذها أو التعامل معها. وثانيها أن ما عرضه الرئيس من على منصة الأمم المتحدة في نيويورك هو مبادرة جديدة ومتعارضة وتقصد إنهاء السيطرة الفصائلية غير الشرعية، المفروض بما فيها حركة فتح. هناك اليوم مبادرتين فلسطينتين مطروحتين في يوم واحد.
جدية المبادرات الفصائلية، كما كان الشعب الفلسطيني يراقب بكل الحسرة في الحراكين السوداني والجزائري، تتأتى من خلال القواعد الموضوعة للإسقاط الفوري للولاية غير الشرعية التي تتمسك بها الفصائل لحكم الشعب الفلسطيني الذي لم ينتخبها أو يختارها. وتسليم السلطة مؤقتاَ لمجموعة وطنية محترمة ومؤهلة، من خارج الفصائل الحالية، لوضع خطة طريق للتوصل لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، بما فيها مرشحين حزبيين، تتولى الحكم نتيجة لانتخابات نزيهة. إن شعبنا والعالم بأسره يدرك أن أي اقتراحات ومبادرات لا تؤمّن حق الشعب الفلسطيني في اختيار قياداته هو مجرد استنزاف للجهد ورفض للشرعية الوطنية.
المبادرات الجادة لا تتم باستحلاب تجارب فاشلة وتشابك الأيادي بعلامات النصر أمام كاميرات المراسلين كما تم في كافة المبادرات الفاشلة السابقة. إنما تنجح المبادرات الجادة بترافقها مع برنامج سياسي واجتماعي يقود المواطنين والأحزاب والفصائل لاصطفاف جماعي تجاه التحديات والعقبات التي تواجه الشعب الفلسطيني. على ماذا سيتفق الفلسطينيون؟ على مشروع دولة أو مشروع ثورة؟
والسؤال المطروح المهمل هو لماذا تقودنا فصائل ذات امتدادات عسكرية ينضوي تحتها شباب ولا أشجع، بينما قياداتها الأكبر منهمكة في التوصل لاتفاقات سلام وتهدئة مع العدو الرابض على أرضنا؟
كيف نشغل أنفسنا بمواجهات عسكرية بينما نحن وسط محيط من دول مشغولة بالدفاع عن وجودها وكيانها نتيجة لأخطار ليست منها إسرائيل؟
لقد أعطينا العالم دروساَ مخضّبة بالدم، وصموداَ عجز عنه الصخر في حب بلادنا والتمسك بحقنا، ولكن ذلك كان في وقت توفر فيه الأمل بالنصر، وقد كان. عندما أجبرتنا العصابات الصهيونية في عام 1948 على النزوح من يلادنا، نتيجة للجرائم والمذابح والمؤامرة الدولية، بقي جزء من شعبنا الفلسطيني صامداَ على أرضه التي احتلتها إسرائيل، كانوا أقل من مائة الف فلسطيني في الأراضي التي احتلتها إسرائيل آنذاك. ثم احتلت إسرائبل بعد سنوات كل فلسطين، ثم استرد الفلسطينيون في وقت لاحق جزء عزيز من أرضهم. في ذلك الجزء من فلسطين يقيم اليوم أكبر تجمّع للفلسطينيين في العالم، أكثر من اللاجئين الفلسطينيين في مجموع أنحاء الأرض. ماذا يعني ذلك وماذا يفرض على عملنا السياسي والمقاوم؟.
ليس هناك خطر من احتلال إسرائيل لقطاع غزة أو أجزاء منه، لأن ذلك ليس في برنامجها التوسعي. ولكن الدفاع عن غزة هو واجب مقدّس على الفلسطينيين كما أي جزء من أرضنا. والدفاع عن مكمن التطلّع الإسرائيلي الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس هو واجب يتحتم أن يكون على أولويات العمل الفلسطيني السياسي والمقاوم والمجتمعي، ولكنه يحمل في طياته الخطر ويتطلب الحذر. الدفاع عن الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية يجب أن يعتمد على ركيزتين أساسيتين، الأولى هي المقاومة بالتصدي الجماهيري السلمي وإجبار الإسرائيليين على الظهور لشعوب وحكومات العالم على حقيقتهم وإجرامهم تجاه الشعب الفلسطيني، والثانية هي إصطفاف حكومات وشعوب العالم لإدانة ورفض الإستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس.
لقد أبهر شعبنا العالم بتضحياته للعودة إلى أرض وطنه، بأي صورة ووسيلة. ولكن هذا النجاح قد يتعرّض للفشل اليوم نتيجة لأعمالنا التي تنتهزها إسرائيل. يشهد شعبنا اليوم موجة جديدة لتحرك شعبنا، موجة تغادر معها أجزاء من شباب شعبنا بلادها وارضها وشعبها بشكل يحتّم القلق . قد يغادر شباب شعبنا بلاده رهاناَ على المجهول الذي يبدو لهم أكثر أماناَ. وقد يكون انعدام فرص العمل أو التطلع للأفضل خارج الوطن أو اليأس من انفراج الغمّة سبباَ لذلك. ولكن الواقع يضيف أيضاَ ويشير إلى مسؤولية القائمين علينا، المتعصّبين لآرائهم وقناعاتهم، الكاتمين للأفواه والأقلام، المتمسكين بالسلطة والمراتب. لقد حان الوقت لاحترام حق الشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه وليس الخضوع لفصائل تدعي حقها في القيادة استناداً لما لديهم من جنود وسجون.
هل نحن في مرحلة تمتين الثورة أو في مرحلة تطوير الدولة؟
مشروع الدولة يتطلب جهاداَ مختلفاَ، جهاد يحافظ على أرواح شبابنا وفتياتنا، ويحمي بيوتنا وحقولنا وأماكننا المقدسة. إن الأرض التي استردينا جزء عزيز منها بدماء عزيزة علينا لا تستحق أن نفقدها بطعنة أو طلقة يدفعها الظلم والعذاب الذي يتعرّض له أطفالنا وشبابنا وعامة شعبنا. علينا أن ندعم صمودنا، وأن نمتّن تحالفاتنا مع أصدقائنا في العالم. إن الذي أوقف أحلام نتانياهو بضم الغور والمستوطنات لم يكن قوتنا العسكرية بل موقف دول العالم الذي تسابق في الرفض والإدانة والشجب. المقاومة والدفاع عن الحق والأرض قائم وثابت ما دام هناك ظلم وقهر ومستوطنات واستيلاء على الأراضي وتهويد القدس، هذا حق لا يسقطه اتفاق أو استعلاء.
مشروع الثورة، الذي يتم تحاشيه باتفاقات أو تهدءات، يتطلب الاستعداد لحرب ضروس، وتركيز على الجهاد على الأرض الفلسطينية. ليس هناك أرض أخرى حولنا أو بجوارنا تسمح لنا بالتواجد عليها، لن يكون هناك في رام الله أو غزة أو أي مدينة أو قرية مكان بعد نفخ بوق الحرب لرؤساء ولا وزراء ولا سفراء ولا مواكب لسيارات فارهة تتجول حيث يكمن الخوف والقهر والفقر في شوارعنا، ولا أموال تتدفق عند الرضى وعلى من رضى من بنوك أو حقائب.