كتب ومقالات

مقالات متنوعة

العوامل الأساسية لنجاح الانتخابات الفلسطينية

2019-12-08 03:17:10

 

العوامل الأساسية لنجاح الانتخابات الفلسطينية

رحّب الشعب الفلسطيني وأحزابه وفصائله ومنظماته السياسية والمجتمعية والنقابية وفصائله بخطوة الرئيس عباس في الإعلان عن العمل من أجل البدء الفوري لانتخابات رئاسية وتشريعة تعم كافة الأراضي الفلسطينية. كما أن تكليفه للجنة الانتخابات الفلسطينية المستقلة بهذه المهمة، وهي التي أثبتت في تجاربها السابقة استقلاليتها وقدرتها وخبرتها وحيادتها ومهنيتها الفائقة كان مطمئناً للشعب الفلسطيني. إن هناك عقبات كثيرة أمام التوصل لانتخابات عامة ونزيهة ليس أقلها الشروط التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين فيما يتعلق بتنقل الفلسطينيين، ولا عقبة القدس. كان للشعب الفلسطيني تجارب مؤلمة مع المنظمات والفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بإجراء الإنتخابات ، والعديد الأكبر من شعبنا لا يثق بجدية ومصداقية الفصيلين الأكبر والأقوى في الساحة الفلسطينية فيما يتعلق بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة وعادلة، ولدى شعبنا تجارب اربعة عشر من السنوات التي هدرت بالصراع والاختلاف وتبادل الاتهامات. تتمثل العقبات التي أفشلت الانتخابات السابقة وقد نكون سبب تعثر أو فشل الانتخابات القادمة في موضوعين أساسيين، أولها الفشل في التوصل لبرنامج سياسي فلسطيني مشترك، وثانيها حجم العداء والخلاف والصدام بين القيادتين الفتحاوية والحمساوية وقوة وتأثير تحالفاتهما المحلية والإقليمية في الدائرة العربية وإصرارهما المتعلق بالتمسك بالسلطة أثناء إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. 

في عام 2005 وبعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات في أواخر عام 2004، ونتيجة لضغوط  أجنبية ونصائح عربية، وقرار من حركة حماس بالمشاركة في إنتخابات رئاسية وتشريعية بعد رفض طويل وبعد أن لاحت في الأفق بوادر امكانية الفوز. تم التوصل لاتفاق فلسطيني فلسطيني على البدء يالترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات العامة في أوائل الشهر السادس من عام 2006. كان هذا الاتفاق هو الوحيد الذي تم تنفيذه حتى وقتنا الحاضر والذي تم إفشاله بتمسك كل فريق ببرنامجه السياسي المختلف والمعارض الأمر الذي تسبب في تقسيم الوطن. اجتمع ممثلي حركة فتح وحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى وممثلين من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيتي عشرات المرات خلال السنوات الأربع عشر الماضية دون جدوى، وازداد الإنفصال توسّعاَ، وتبلورة معالم الاتجاه لاستقلال كل من شقيّ ما تبقى للفلسطينيين من أرض بلادهم. لماذا يعتقد البعض أن انتخابات جديدة سوف تعيد وحدة الأرض والشعب الفلسطينية الآن؟

بغض النظر عن الدافع الذي أطلق على أساسه الرئيس عباس هذه المبادرة الجديدة، والدوافع التي تسببت بالتجاوب الإيجابي السريع من "رئيس" قطاع غزة، فإن نافذة صغيرة تلوح في مستقبل الصراع بين الأخوين المتعاديين. يمكن أن تقود نافذة الأمل لاتفاق كامل وعادل يتيح فرصة حقيقية لانتخابات عامة تمكّن الشعب الفلسطيني من اختيار قيادة جديدة شرعية ومؤهلة لتحمل المسؤولية الثقيلة القادمة، أو ربما أن تقود هذه الخطوة إلى انفصال نهائي بين شطريّ الوطن، إذا لم تقود إلى قتال داخلي على غرار ما نشهد في دول مجاورة وغير مجاورة. وبغض النظر أيضاَ عن نوايا الطرفين من الترحيب فإن خطوات جادة ومبادئ صارمة يجب أن تًتبع لضمان النجاح الذي يريده ويدعمه الشعب الفلسطيني. هل سيتم تجريد السلطة التي يتمتع بها الطرفان في فترة الانتخابات من قبل السلطة لحين إجراء الانتخابات ومعرفة نتائجها وتسليم السلطة للفريق الفائز؟ هل سيتمسك كل من الطرفين ببرنامجه السياسي المعارض للبرنامج السياسي لغريمه؟ هذين الموضوعين هما دعائم انتخابات نزيهة وشرط أساسي لتمكين الشعب الفلسطيني من اختيار قيادته الشرعية. وهما الفارق بين النجاح وبين العودة للمواجهة والخلاف.

العامل الاول الأساسي الذي قد يفشل الهدف من الذهاب إلى انتخابات فلسطينية عامة يكمن في تعارض البرامج السياسية لكلا الفريقين اللذين يملكان فرص النجاح في الانتخابات، حركة فتح وحركة حماس. في انتخابات عام 2006 الماضية، نجح الرئيس عبّاس في الفوز بالمنصب الرئاسي وفق برنامج سياسي عام. بينما نجح السيد هنية بمركز رئيس الوزراء وفق القانون الأساسي الفلسطيني الذي يعطي هذا المنصب للحزب الحائز على العدد الأكبر من النواب، ولكن الأخير قدّم برنامجاَ سياسيا متعارضاَ مع البرنامج السياسي للرئيس عباس. كان ذلك التعارض هو الأساس في الانفصال والعداوة. كيف ستؤول الأمور إذا انتهت الانتخابات القادمة ببرنامج مقاومة جنوبي وبرنامج تفاوضي شمالي؟

يتعلق العامل الثاني والأساسي الثاني لنجاح انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة في التحالفات العربية والشرق أوسطية المتخالفة والمتعادية التي يرتبط بها كل من الفريقين الفلسطينيين الأكبر. تلك التحالفات التي قد لا تكون في غالبها لدعم الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه وتحقيق أهدافه الوطنية بقدر ما تكون تسوية حساب قوى دول الشرق الأوسط وتناقضات الخلاف وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط والعالم. 

إن إبقاء السلطة في بلادنا خلال الفترة الانتخابية بيد القادة الحاليين المرشحين لانتخابات الرئاسة، في الشمال أو الجنوب، يعني تمتع كل منهما بصلاحياته العادية ونفوذه الحالي ، وسوف يكون الضابط والجندي والموظف خاضعاَ لأوامر وتوجيهات رئيسه المرشح. في سيطرة حركة فتح في الضفة الغربية وسيطرة حركة حماس في قطاع غزة فسوف يتجاوب الوزراء والمديرين وضباط الشرطة وكوادر التنظيمات المتحكمة الذين يؤيدون ما يؤيده الرئيس ويدعمون ويمنعون من أجل فوز رئيسهم في الانتخابات القادمة. من الطبيعي في تلك الحالة أن مرشح الشمال سوف يفوز في الشمال، كما سيفوز مرشح الجنوب في الجنوب، وسوف يرفض المرشّحين قبول نتائج المرشح الآخر، ونعود إلى ما كنّا ولا زلنا الآن عليه. إن واجب الفلسطينيين الأهم هو تجنب فشل الانتخابات الذي سوف يعيدنا للوضع الحالي مرة أخرى.

قد يكون ما تسرّب من نوايا لجنة الانتخابات الفلسطينية مؤخراَ الحل لمشكلة أزمة منصب الرئاسة أثناء إجراء الانتخابات الرئاسية. ففي إشارة اللجنة إلى قرارها بالبدء في الانتخايات التشريعية وتأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة شهرين بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، الحل في تنفيذ حكم القانون الأساسي الفلسطيني بهذا الصدد، وهو تسليم منصب الرئاسة لرئيس المجلس التشريعي لمدة ستين يوماَ تتم خلالها الانتخابات الرئاسية وتنصيب الرئيس الفائز، كما تم في انتخابات عام 2006،    

إن متطلبات التوصل إلى انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية كثيرة ومتشابكة، وتشوبها الصعوبة، والعوامل الأساسية المتمثلة في إخلاء منصبيّ الرئاسة والقيادة مؤقتا، وحتمية التوافق على برنامج سياسي مختصر، والتخلي عن التحالفات المتناثرة في ساحة الشرق الأوسط، ضرورة لا بد منها. وليس هناك من شك في مسؤولية وقدرة لجنة الانتخابات الفلسطينية المستقلة على إدراج العوامل اللازمة والعادلة التي تتيح للشعب الفلسطيني المشاركة في انتخابات عامة تحقق آماله في اختيار من يروه الأفضل والأقدرعلى قيادة سلطة وطنية فلسطينية شرعية وموحّدة.