صحيفة العرب اللندنية 1/3/2020
الانقسام الفلسطيني
آخر العلاج...الانفصال
قرابة خمس عشرة سنة عاقرة والشعب الفلسطيني ينتظر ويأمل تحقيق وحدة ما تبقى له من أرض وشعب. ويبدو أن المصائب التي انهالت على الشعب الفلسطيني منذ حوالي قرن من الزمن ستتضاعف بمصائب جديدة ليس من قبل الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة ولكن من الفيادات الفلسطينية التي نجحت فيما فشلت فيه إسرائيل بقسمة الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة. حققت القيادات والفصائل الفلسطينية المتنازعة والمتعارضة إنهاء اللحمة الفلسطينية التاريخية القائمة منذ أن ولد التاريخ، وحققت لأول مرة الفصل النهائي بين فلسطينيي غزة وإخوانهم في الضفة الغربية.
ولقد جرت محاولات لتخطي ذلك المصير بدوافع شعبية ومؤسساتية مستقلة وتحذيرات جماهيرية فلسطينية خلال سنوات طويلة، كما كان هناك اهتمام من معظم الدول العربية والصديقة، ولكن التصميم نحو الانفصال كان أقوى من كافة تلك المحاولات. منذ عام 2005 انشغلت الفصائل الفلسطينية في اجتماعات بينها للخروج بقيادة وطنية مشتركة للتصدي للمخاطر التي كانت واضحة ومصممة على إنهاء أي استقلالية أو وجود للسلطة الوطنية الفلسطينية الوليدة. وتم الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية على أمل المشاركة والتشارك والتحالف الشرعي فجاءت النتائج مضمّخة بالقتال وسفك الدماء والتراشق بالاتهامات والتخوين،
انشغلت عواصم عربية باستقبال ممثلين عن حركتي فتح وحماس وثلّة من الفصائل الفلسطينية الأخري في محاولات للصلح والإتفاق التي لم تر النور أو التطبيق. كما شهدت العاصمة المصرية غالبية تلك الاجتماعات قبل أن تتحوّل تلك الاجتماعات قاصرة على الفصيلين الأقوى ومن ثم على فصيل واحد للوساطة بينه وبين إسرائيل. وشهدت المملكة العربية السعودية نصيبا من تلك الاجتماعات التي تضمّنت زيارة الكعبة المشرّفة وقراءة الفاتحة على الالتزام بالنتائج وجملة من الدعم لكل منهما، ولم تنجح المحاولة السعودية فيما فشلت فيه المحاولة المصرية. وكان قد تم لقاء للأخوة الأعداء في العاصمة السودانية بمبادرة من الرئيس الشهيد ياسر عرفات حين كانت الخرطوم عاصمة حركة حماس وتعجّ بقيادات ومتدربي حماس، وانتهى الاجتماع بكارثة وطنية فلسطينية. توقفت محاولات العواصم العربية لاستقبال الفصائل الفلسطينية يأسا من إمكانية التوصل لاتفاق بينها. تسببت الانتخابات المخادعة لعام 2006 ونتائجها في أول صدام فلسطيني مسلّح في تاريخ فلسطين على نطاق واسع وخسائر بشرية فلسطينية عزيزة وبوادر انفصال فلسطيني جدّي، وبدأ العمل عيانا لخلق كيانين فلسطينيين في الرقعة المتبقية من الأرض الفلسطينية بالرغم من اجتماعات وهمية واتفاقات لا ينوي أحد تطبيقها.
تدور اللعبة المحلية والدولية للسيطرة في منطقة الشرق الأوسط وغرب البحر الأبيض المتوسط، التي تتكالب عليه الدول القائمة في المنطقة والدول التي تريد لنفسها وجوداً في تلك المنطقة الاستراتيجية الغنية في استراتيجية موقعها وثروة ما تحت أرضها الصحراوية. والسبيل لذلك هو ببساطة هو التحالف. لأن التحالفات تؤمّن المساعدات والحماية للدول والكيانات التي لا تملك حماية نفسها أو الحصول على تكاليف احتياجاتها. وهكذا تم مع كل من الطرفين الفلسطينيين. تعتمد حركة فتح على بعض دول عربية، وبعض دعم غربي، والعديد من المؤسسات الدولية، بينما تعتمد حركة حماس، في تحقيق إمارتها القادمة، على بعض دول الخليج العربية وغير العربية. وعلاقة كل منهما بحلفائه أقوى من علاقاته بأحزاب ومؤسسات وأهداف الفصائل التي تشاطرهم الوطن وتشاركهم النضال من أجل تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة الأرض الفلسطينية.
يتطلب استحواز السلطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة من قبل حركتي فتح وحماس تمنّع هذين الفصيلين من المشاركة في أية خطوة قد تؤدي لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، وهناك تجربة ثلاثة عشر عاما لاثبات ذلك. كما أنهما فشلا في التفاهم للتوصل لبرنامج سياسي مشترك. ويزداد الانفصال الجغرافي والمجتمعي بين الفلسطيين عمقا وقبولا، كما يزداد ترسّخ واتساع مساحة الأفراد والطبقات المجنمعية الباحثة عن الدخل المالي والأمان النفسي عن طريق التصالح والالتحاق بالمجموعات المتصالحة مع النظامين المفروضين على الشعب الفلسطيني. لم يكن الشعب الفلسطيني مقتنعا بديمومة الانفصال مثلما هو الآن. ويائسا من إمكانية الإصلاح والتوحد كما هو الآن، وغير مبال بما يجري فيما عدا تأمين طعام يومه وعائلته مثلما هو الآن.
أمام إسرائيل اليوم فرصتين لتنفيذ أهدافها النهائية في ترسيخ إسرائيل جديدة على أرض فلسطينية أوسع ومجال إقليمي أكثر تقبّلا وأمانا، فرصتها الأولى هي فرض الولايات المتحدة مبادرتها المنحازة تماما للمطالب الإسرائيلية، ولا يبدو أن هذا ممكنا في الفترة الحالية بسبب الرفض الدولي المطلق لتلك المبادرة. وفرصتها الثانية التي أثبتت نجاعتها في العقدين الأخيرين وهي المتمثلة بانتهاز سريان الأمر الواقع للتنفيذ من طرف واحد لكل ما ورد في المبادرة الأمريكية، الأمر الذي يبدو أن إسرائيل قد بدأت فعلا بتنفيذه. تقوم إسرائيل منذ يوم الإثنين الماضي 24/2/2020 بتركيز علامات باللغات العبرية والعربية والإنجليزية تشير تحذيرا للمارين يأنهم يدخلون "أراضي الدولة الفلسطينية" والملفت في هذا الإجراء الجديد هو ألإيحاء بأن هناك دولة فلسطينية وفق المبادرة الأمريكية،وأن حدود أراضي تلك الدولة هي وفق ما شرحته الخرائط الملحقة بالمبادرة الأمريكية.
يبحث الشعب الفلسطيني وقيادته، الطرف الأضعف في معادلة مشكلة الشرق الأوسط، عن سبيل يوقف هذا التدهور الذي لا يهدد البقاء السياسي الفلسطيني فحسب بل يشل استمرار الفلسطينين كشعب ذو رسالة وحاضر ومستقبل. أمّا الوحدة والمشاركة في الحكم أو إجراء انتخابات نزيهة للتوصل لقيادة شرعية أو الاتفاق على برنامج سياسي مشترك فلا أمل لأيّ منهم حاضرا ولا مستقبلا. ولم يتبق أمام الشعب الفلسطيني سوى خيار، الانفصال.