كتب ومقالات

مقالات متنوعة

حركة حماس ومؤتمرها وحساباتها الفلسطينية

2020-03-10 02:06:52

صحيفة العرب اللندنية 10/3/2020

مروان كنفاني

حماس ومؤتمرها وانتخاباتها

بعد حوالي خمسة عشر عاما من نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل وتشرّد الفلسطينيين في أراضي الدول العربية المحيطة بها، أدركت الدول العربية أنها تتبنى قضية  الفلسطينيين، وتحارب من أجلها، بدون مشاركة من الفلسطينيين أنفسهم. وبالرغم من الدماء الفلسطينية والعربية الغالية التي سالت على أرض الصدام في فلسطين وحولها، فقد كان ما تبقّى من أرض فلسطين خاضع للحاكم المصري في قطاع غزة بينما تم ضمّ ما تبقى من أرض في الضفة الغربية إلى التاج الأردني. واحتفظت الدول العربية أيضا بحق اختيار وتعيين المندوب الفلسطيني لجامعة الدول العربية. كان قرار الدول العربية بالمشاركة في التصدي للتجمّع العسكري الإسرائيلي، المشكّل من قوى المنظمات الصهيونية المدعومة من جيش الاحتلال البريطاني وعشرات ألآف من المتطوعين الأجانب، عاملا فاعلا في دعم المقاومة الفلسطينية وتخفيف الضحايا الفلسطينيين العزّل وكذلك الاحتفاظ بأجزاء من الأرض الفلسطينية. قفز مبدأ المشاركة الفلسطينية، العسكرية والسياسية، إلى مقدمة التوجه العربي نتيجة للحماس الذي أبداه الفلسطينيون للمشاركة بتلك المبادرة العربية، على تواضعها، من أجل تقرير مصيرهم ومصير وطنهم.

في تلك الفترة بالذات تعاهد شباب فلسطينيون، بعيدا عن أرض فلسطين، على فرض تواجدهم في مقدمة المسؤولية والتضحية لاسترداد بلادهم، وترافق زمنيّا القرار العربي  للنظر في تسليم أمور الفلسطينيين لهم وتشكيل "منظمة التحرير الفلسطينية" تم بقرار من حفنة من الشباب الفلسطينيين العاملين في الدول الخليج العربية تشكيل  "حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح" سبّاقة لاستلام العلم. كانت السنوات الأربع التي قاد الشعب الفلسطيني فيها رئيس فلسطيني اختاره العرب منذ النكبة الفلسطينيين حبلى بالحرب والتشابك العربي والخلافات الفلسطينية، وشهدت تلك الفترة أيضا أول مواجهة مباشرة عسكرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتوّجت بالدم حركة فتح ورئيسها الشهيد ياسر عرفات، أول رئيس فلسطيني منتخب من الفلسطينيين في تاريخهم.

ترنّحت حركة فتح خلال عشرين عاما في صراع دموي مع الاحتلال الإسرائيلي، وخلافات قاربت الوغول في الدماء مع منظمات فلسطينية أخرى، وبعض نظم عربية وإسلامية، واستشهد غالبية قادتها وكوادرها، ولعبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية شبيه قوات احتلال في بعض عواصم ومدن عربية، واستغرق التواجد الفلسطيني ومشاكله في الدول العربية معظم اهتمام الفصائل الفلسطينية وأصبح من الصعب تحقيق الرؤيا والعمل لتحقيق الهدف الأول الذي وجدت حركة فتح من أجله.

في ذروة سيطرة حركة فتح في قيادة الشعب الفلسطيني، وبدء انفتاحها على العالم الغربي والأمريكي، وتقبّل القوى الأعظم لها كشريك في التوصل للسلام العادل مع الإسرائيليين، ظهرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الساحة الفلسطينية والعربية ودعمتها دول عربية وإسلامية وانهالت عليها المتطوعة والأموال وأصبحت عواصم عربية منزلا ومأمنا وساحة للتمرين والإعداد. وكان هدفها الأول هو تحرير فلسطين على غرار حركة فتح في منتصف عام 1961 بينما أعلنت منذ البداية عدائها الواضح لحركة فتح ونهجها الخياني.

ترفض حركة حماس اليوم، بالتضحية والمقاومة والشهداء الأبرار خلال ثلاثة وثلاثين عاما من وجودها، النهج الذي انتهجته حركة فتح. مع أن تصرفاتها الحالية ومصيرها يشير عكس ذلك. إن ترتيبات التهدئة مع إسرائيل عبر الوساطة المصرية، والإعلان المتردد بقبول دولة فلسطينية على حدود عام 1967، والمداعبات حول رغبة أمريكية للتحدث مع حماس، وقبول طلب زيارة العاصمة الروسية ولو بدون مقابلة الرئيس الروسي، والانصياع للنصيحة الروسية بزيارة السفارة الفلسطينية في موسكو. كل هذه "التحولات عن الطريق" تذّكّر بسنوات العقد الثامن من القرن الماضي لمنهج حركة فتح الذي تسبب في صراع داخلي وخلافات واغتيالات فتحاوية داخلية. هل يشهد العالم هذا المنهج اليوم داخل حركة حماس؟   

تملك حركة حماس في الفترة الحالية القوة والاعتراف الدولي غير المعلن بقدرتها على السيطرة على قطاع غزة كما اعترفت شخصيات عسكرية إسرائيلية بذلك مؤخرا، فهل ستبدأ قريبا المحادثات والمفاوضات لإرساء كيانية سياسية حمساوية، لا تضم القدس الشريف، وتحيطها الصحراء في قطاع غزة؟ وهل يمكن لزعيم في حركة حماس قبول ذلك مقابل اتفاق سلام مع إسرائيل؟. لقد أثبتت حركة حماس جدارتها وقدرتها على مقاومة إسرائيل، الأمر الذي يعترف به العدو قبل الصديق. ولقد دفعت حماس تمنا باهظا من الشهداء والجرحى والأسرى، كما دفع الشعب الفلسطيني ثمنا غاليا يحتاج لأجيال طويلة لعلاجه. قد تكون بعض الدول العربية والإسلامية تدعم حماس وتساعدها في تجاوز الحصار أو بالسلاح أو المال، ولكن كل هذا الدعم ليس موجها ضد إسرائيل أو لوقف ابتلاع الأرض الفلسطينية أو المقدسات الإسلامية. وقادة حماس يعرفون ذلك جيدا.   

تختلف الآراء عمّا يدور في حركة حماس في الفترة الحالية، ويكثر الكلام عن الأسباب والمسببات عن ابتعاد السيد هنية وزمرة من رفاقه ومعاونيه لقطاع غزة دون تفسير رسمي وواضح،. وفيما صدر عن بعض المسؤولين الحمساويين فإن السبب هو متطلبات الانتخابات الحالّةّ لقيادات حركة حماس. ومن الطبيعي أن تتخذ الحركة كافة الوسائل لحماية قادتها من آلة القتل والاغتيال التي تملكها إسرائيل والتي أشبعت الفلسطينيين قتلا وإبادة، على أن الانتخابات الداخلية تأكيد مارسته حركة حماس منذ إنشائها.  

إن الدخول لحلبة اللعبة الدولية يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة وتنازلات أكبر، ذلك لأن القوى المسيطرة في عالمنا قد حسمت مواقفها وفق مصالحها التي لا تتجانس دائما مع مصالح الدول الصغرى أو أهداف حركات التحرير الوطني، كما اكتشفت حركة فتح بعد ثلاثين عاما من العمل العسكري والسياسي. في الزيارة الأولى للرئيس الراحل ياسر عرفات لموسكو كان أول ما قاله له الرئيس السوفياتي بريجنيف "أيها الرفيق عرفات متى ستعترف بإسرائيل".

يأمل الشعب الفلسطيني أن يكون المؤتمر الحالي لقيادات حركة حماس فرصة لإدراك حقائق الواقع وليس الأحلام، وما يمكن تحقيقه وليس ما نحلم بتحقيقه، وما نستطيع تحقيقه سوف يتحقق بجهد  الشعب الفلسطيني وفصائله وليس بذراع حماس وحدها. إن قوة حماس تتأتى فقط من التصالح مع الشعب والفصائل الفلسطينية، وبالذات حركة فتح. لقد جاء وقت الحسم، فهل ستكون حركة حماس جزء من المستقبل الفلسطيني أو ستبقى مغرّد وحيد يهيم حول حلم صعب التحقيق.