فتح وحماس وكورونا
جرفت عاصفة كورونا أمامها كل الأحاديث المتعلقة بمصالحة فلسطينية بين الفصيلين الأكبر والأبرز في الساحة الفلسطينية، وانهارت بوضوح المحاولات غير جادة لتحقيق أدنى تقارب بينهما بعد أن فشلت مسبقا محاولات دول عربية لتحقيق ذلك. تركت عاصفة كورونا الشعب الفلسطيني في مهب رياح الرزايا التي تنتظر مصير فلسطين والفلسطينيين، وأضافت جرحا على جراح في مواجهة الداء المميت الذي يهدد العالم بأسره. كأن الشعب الفلسطيني قد ورث وحده نيابة عن الإنسانية مسلسل العذاب والقهر والاضطهاد.
في غياب محرج للقيادة الحمساوية عن ساحة الوغي في قطاع غزة، وتكليف المواجهة لهذا الخطر الذي تجنّد قادة دول العالم في التصدي له، لمسؤولين محترمين من قيادات ثانية وموظفين ومحافظين وقادة أجهزة الشرطة والمباحث، بالتصدي لمهمة وطنية خطيرة تتطلب السيطرة والتفرّد من الفيادات العليا لحركة حماس الغارقة في الصراع على المناصب والصلاحيات على بعد مئات الكيلومترات من قطاع غزة المجروح.
تداولت وكالات الأنباء والصحف والتلفزيونات والإذاعات العالمية عن قرار "تبرّع" رئيس حركة حماس السيد اسماعيل هنية، الذي يدافع عن استعادة منصبه في قطر، بمبلغ نصف مليون دولار للفلسطينيين اللاجئين في لبنان. وبالطبع فإن هذا القرار محمود ومشكور في دعم صمود جزء مهم من الشعب الفلسطيني لو كان صدر باسم حركة حماس وليس شخص رئيس حركة حماس، الذي قد يحمل معنى الاستفادة الفردية في مهرجان التنافس السياسي الدائر في الدوحة، واستجلابا لأصواتهم وترضية لقيادات حماس في مخيمات لبنان المنهك .
يدفع الشعب الفلسطيني اليوم ثمن فشل التنظيمين الفلسطينيين الأكبر في التوصل لتفاهم يوحّد العمل الفلسطيني النضالي والسياسي والمجتمعي والاقتصادي بما يمكّنه من التصدي لعاصفة كورونا التي لم تقذف بعد بأسوأ خطورتها ونتائجها المخيفة. وإذا استمر الحال على ما هو عليه من السيطرة غير الشرعية لحركة فتح في الضفة الغربية، والسيطرة الانقلابية لحركة حماس في قطاع غزة فإن "كورونات" كثيرة سوف تصطدم بمسيرة الشعب الفلسطيني المنهك. لقد تمكّنت الأحزاب والفصائل الإسرائيلية، على الرغم من الاخنلافات والصدامات بينها والاتهامات والعداوات، في الاتفاق على قيادة موحدة للتصدي لخطر يهددهم جميعا. فيما يبدو أن التزام حركني فتح وحماس للتفرد في الحكم يتجاوز التزامهم بتحقيق التواصل والتوحّد بينهما. إن هذا الموقف الفلسطيني لن يقود إلاّ للمزيد من التنازلات الفلسطينية والبعد عن تحقيق الأهداف الشرعية للشعب الفلسطيني وزيادة النفوذ الإسرائيلي.
يشكّل الإرتباط غير المقدّس بين كورونا والشعب الفلسطيني منعطفا خطير على مستقبل العمل الفلسطيني، ذلك لأن العالم بأسره لم يعرف ويدرك بعد مدى الخراب والفوضى اللذان صدما مستقبل الإنسان على هذا الكوكب البشري. يتوقع المحللون لتصوّر طبيعة القوى العالمية في مرحلة ما بعد كورونا ومدى الدمار الذي أصاب البنية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وكيف يتاح للدول العظمى العودة لقيادة العالم متى أو إذا تم القضاء على الفيروس القاتل؟ وتتجه الإشارات نحو الشرق الأوسط بالذات وثرواتها النفطية ومخزونها الكبير من الأموال وما تملكه من عقارات وشركات ومشاريع في معظم أنحاء العالم. ليس في ذلك العالم الجديد مكان لدول أو كيانيات ضعيفة أو فقيرة، وتتصف السلطة الوطنية الفلسطينية الحاكمة في الضفة الغربية، وكذلك حركة حماس في قطاع غزة بتلك الصفتين، الضعف والفقر.
يمثّل إلتفاف الدول المصدرة للنفط للدفاع عن ثرواتها ومصالحها خط الدفاع الأول لإعادة التوازن الاقتصادي والمالي والنفوذ الذي كانت تتميّز به في القرن الحالي، والفلسطينيون هم المستفيدون من ذلك الجهد بقدر ما يحشدون من جهد لتشكيل كيان واحد ومؤثر. ولا يتوقع عاقل أن هناك مساحة لكيانين فلسطينين للتأثير في منطقة ومشاكل الشرق الأوسط. أو أن التوحّد الفلسطيني سوف يعيدهم لبلادهم أو يحررها أو يسترجع القدس. ولكن التوحّد والإلتفاف الفلسطيني هو الطريق لكل ذلك. لا يهدف التوحّد الفلسطيني حاليّا للتوصل للقوة الرادعة ولكنه ضرورة ملحّة للبقاء ولوضعنا، فتحاويين وحمساويين وكافة الفصائل، في موقف أفضل ممّا نحن فيه اليوم.
من الواضح أن مستقبل الكرة البشرية يتراوح بين هزيمة كورونا أو إفلاس معظم دول العالم إن لم يكن جميعها، أو اندلاع حرب عالمية أو حروب إقليمية، أو يتمكّن الداء من إنهاء وجود الإنسان على الكوكب البشري. ولكن الثابت هو قدرة الجنس البشري على العمل سوية للتخلص من الداء المهدد لبقائهم جميعا. وبقاء الفلسطينيين، في بلادهم أو بلاد مهاجرهم، مرتبط بتوحّدهم وتكاتفهم وتعاونهم للبقاء. وما تقوم به السلطة الوطنية وحكومة حماس المؤقته من جهد مشكور في تأمين الأدوية والغذاء والاهتمام بوقف اندفاع كورونا، ولكن الاستمرار في هذا الجهد يتطلب التعاون المشترك الذي يمكّن من تقديم مساعدات أوسع وأسرع وأكثر ديمومة.
لقد حان الوقت لعودة القيادة الحمساوية القديمة أو الجديدة لمكانها المفروض للقيام بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في هذه الفترة الحرجة والخطيرة. وليس هناك أي تبرير لهذا الغياب الطويل الذي يترك آثارا سلبية على الأداء المطلوب من قيادة حماس تجاه الأزمة التي تعصف بالشعب الفلسطيني في غزة وبلاد أخرى حيث يبدو أن الأسوأ لم يأتي بعد. إن مسؤولية القيادة لا تتمثّل بالوقت فقط ولكنها محكومة بالتوقيت أيضا.